لأنه لا يوقع في غرور ، وتعلم المساواة بطريق لحن الخطاب أو فحواه ، وقد جاء في القرآن ما يومئ إلى أن المتسبب لأحد في هدي ينال من ثواب المهتدي قال تعالى : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [الفرقان : ٧٤] وفي الحديث : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير».
ومن التخليط توهم أن حمل الدية في قتل الخطأ على العاقلة مناف لهذه الآية ، فإن ذلك فرع قاعدة أخرى وهي قاعدة التعاون والمواساة وليست من حمل التبعات.
و (تَزِرُ) تحمل الوزر ، وهو الثقل. والوازرة : الحاملة ، وتأنيثها باعتبار أنها نفس لقوله قبله (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصّلت : ٤٦].
وأطلق عليها (وازِرَةٌ) على معنى الفرض والتقدير ، أي لو قدرت نفس ذات وزر لا تزاد على وزرها وزر غيرها ، فعلم أن النفس التي لا وزر لها لا تزر وزر غيرها بالأولى.
والوزر : الإثم لتشبيهه بالحمل الثقيل لما يجره من التعب لصاحبه في الآخرة ، كما أطلق عليه الثقل ، قال تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ)[العنكبوت : ١٣].
(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)
عطف على آية (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) الآية.
وهذا استقصاء في الإعذار لأهل الضلال زيادة على نفي مؤاخذتهم بأجرام غيرهم ، ولهذا اقتصر على قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) دون أن يقال ولا مثيبين. لأن المقام مقام إعذار وقطع حجة وليس مقام امتنان بالإرشاد.
والعذاب هنا عذاب الدنيا بقرينة السياق وقرينة عطف (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) [الإسراء : ١٦] الآية. ودلت على ذلك آيات كثيرة ، قال الله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ) [الشعراء : ٢٠٩] وقال : (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [يونس : ٤٧].
على أن معنى (حتى) يؤذن بأن بعثة الرسول متصلة بالعذاب شأن الغاية ، وهذا اتصال
عرفي بحسب ما تقتضيه البعثة من مدة للتبليغ والاستمرار على تكذيبهم الرسول والإمهال للمكذبين ، ولذلك يظهر أن يكون العذاب هنا عذاب الدنيا وكما يقتضيه الانتقال إلى الآية بعدها.