على أننا إذا اعتبرنا التوسع في الغاية صح حمل التعذيب على ما يعم عذاب الدنيا والآخرة.
ووقوع فعل (مُعَذِّبِينَ) في سياق النفي يفيد العموم ، فبعثة الرسل لتفصيل ما يريده الله من الأمة من الأعمال.
ودلت الآية على أن الله لا يؤاخذ الناس إلا بعد أن يرشدهم رحمة منه لهم. وهي دليل بين على انتفاء مؤاخذة أحد ما لم تبلغه دعوة رسول من الله إلى قوم ، فهي حجة للأشعري ناهضة على الماتريدي والمعتزلة الذين اتفقوا على إيصال العقل إلى معرفة وجود الله ، وهو ما صرح به صدر الشريعة في التوضيح في المقدمات الأربع. فوجود الله وتوحيده عندهم واجبان بالعقل فلا عذر لمن أشرك بالله وعطل ولا عذر له بعد بعثة رسول.
وتأويل المعتزلة أن يراد بالرسول العقل تطوّح عن استعمال اللغة وإغماض عن كونه مفعولا لفعل (نَبْعَثَ) إذ لا يقال بعث عقلا بمعنى جعل. وقد تقدم ذلك في تفسير قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) في سورة النساء [١٦٥].
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦))
هذا تفصيل للحكم المتقدم قصد به تهديد قادة المشركين وتحميلهم تبعة ضلال الذين أضلوهم. وهو تفريع لتبيين أسباب حلول التعذيب بعد بعثة الرسول أدمج فيه تهديد المضلين. فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالفاء على قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ولكنه عطف بالواو للتنبيه على أنه خبر مقصود لذاته باعتبار ما يتضمنه من التحذير من الوقوع في مثل الحالة الموصوفة ، ويظهر معنى التفريع من طبيعة الكلام ، فالعطف بالواو هنا تخريج على خلاف مقتضى الظاهر في الفصل والوصل.
فهذه الآية تهديد للمشركين من أهل مكة وتعليم للمسلمين.
والمعنى أن بعثة الرسول تتضمن أمرا بشرع وأن سبب إهلاك المرسل إليهم بعد أن يبعث إليهم الرسول هو عدم امتثالهم لما يأمرهم الله به على لسان ذلك الرسول.
ومعنى إرادة الله إهلاك قرية التعلق التنجيزي لإرادته. وتلك الإرادة تتوجه إلى المراد