(وَابْنَ السَّبِيلِ) هو المسافر يمر بحي من الأحياء ، فله على الحي الذي يمر به حق ضيافته.
وحقوق الأضياف جاءت في كلام النبي صلىاللهعليهوسلم كقوله : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة». وكانت ضيافة ابن السبيل من أصول الحنيفية مما سنّة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ قال الحريري : «وحرمة الشيخ الذي سن القرى».
وقد جعل لابن السبيل نصيب من الزكاة.
وقد جمعت هذه الآية ثلاث وصايا مما أوصى الله به بقوله : (وَقَضى رَبُّكَ) الآيات [الإسراء : ٢٣].
فأما إيتاء ذي القربى فالمقصد منه مقارب للمقصد من الإحسان للوالدين رعيا لاتحاد المنبت القريب وشدّا لآصرة العشيرة التي تتكون منها القبيلة. وفي ذلك صلاح عظيم لنظام القبيلة وأمنها وذبها عن حوزتها.
وأما إيتاء المسكين فلمقصد انتظام المجتمع بأن لا يكون من أفراده من هو في بؤس وشقاء ، على أن ذلك المسكين لا يعدو أن يكون من القبيلة في الغالب أقعده العجز عن العمل والفقر عن الكفاية.
وأما إيتاء ابن السبيل فلإكمال نظام المجتمع ، لأن المارّ به من غير بنيه بحاجة عظيمة إلى الإيواء ليلا ليقيه من عوادي الوحوش واللصوص ، وإلى الطعام والدفء أو التظلل وقاية من إضرار الجوع والقر أو الحر.
(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) لما ذكر البذل المحمود وكان ضده معروفا عند العرب أعقبه بذكره للمناسبة.
ولأن في الانكفاف عن البذل غير المحمود الذي هو التبذير استبقاء للمال الذي يفي بالبذل المأمور به ، فالانكفاف عن هذا تيسير لذاك وعون عليه ، فهذا وإن كان غرضا مهما من التشريع المسوق في هذه الآيات قد وقع موقع الاستطراد في أثناء الوصايا المتعلقة بإيتاء المال ليظهر كونه وسيلة لإيتاء المال لمستحقيه ، وكونه مقصودا بالوصاية أيضا لذاته. ولذلك سيعود الكلام إلى إيتاء المال لمستحقيه بعد الفراغ من النهي عن التبذير بقوله : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) الآية ، [الإسراء : ٢٨] ثم يعود الكلام إلى ما يبين أحكام التبذير