التوكيد ، وبإقحام فعل (كان) المؤذن بأن خبره وصف راسخ مستقر ، كما تقدم في قوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) [الإسراء : ٢٧].
والمراد : أن ذلك وصف ثابت له في نفسه سواء علمه الناس من قبل أم لم يعلموه إلا بعد نزول الآية.
وأتبع ذلك بفعل الذم وهو (ساءَ سَبِيلاً) ، والسبيل : الطريق. وهو مستعار هنا للفعل الذي يلازمه المرء ويكون له دأبا استعارة مبنية على استعارة السير للعمل كقوله تعالى : (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) [طه : ٢١] ، فبني على استعارة السير للعمل استعارة السبيل له بعلاقة الملازمة. وقد تقدم نظيرها في قوله : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) في سورة النساء [٢٢].
وعناية الإسلام بتحريم الزنى لأن فيه إضاعة النسب وتعريض النسل للإهمال إن كان الزنى بغير متزوجة وهو خلل عظيم في المجتمع ، ولأن فيه إفساد النساء على أزواجهن والأبكار على أوليائهن ، ولأن فيه تعريض المرأة إلى الإهمال بإعراض الناس عن تزوجها ، وطلاق زوجها إياها ، ولما ينشأ عن الغيرة من الهرج والتقاتل ، قال امرؤ القيس :
عليّ حراصا لو يسرون مقتلي
فالزنى مئنة لإضاعة الأنساب ومظنّة للتقاتل والتهارج فكان جديرا بتغليظ التحريم قصدا وتوسلا. ومن تأمل ونظر جزم بما يشتمل عليه الزنى من المفاسد ولو كان المتأمل ممن يفعله في الجاهلية فقبحه ثابت لذاته ، ولكن العقلاء متفاوتون في إدراكه وفي مقدار إدراكه ، فلما أيقظهم التحريم لم يبق للناس عذر. وقد زعم بعض المفسرين أن هذه الآية مدنية كما تقدم في صدر السورة ولا وجه لذلك الزعم. وقد أشرنا إلى إبطال ذلك في أول السورة.
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣))
معلومة حالة العرب في الجاهلية من التسرع إلى قتل النفوس فكان حفظ النفوس من أعظم القواعد الكلية للشريعة الإسلامية. ولذلك كان النهي عن قتل النفس من أهم الوصايا التي أوصى بها الإسلام أتباعه في هذه الآيات الجامعة. وهذه هي الوصية التاسعة.