قومته فاستقام. ووصف الميزان به ظاهر. وأما العدل فهو وصف له كاشف لأن العدل كله استقامة.
وجملة (ذلِكَ خَيْرٌ) مستأنفة. والإشارة إلى المذكور وهو الكيل والوزن المستفاد من فعلي (كِلْتُمْ) و (زِنُوا).
و (خَيْرٌ) تفضيل ، أي خير من التطفيف ، أي خير لكم. فضل على التطفيف تفضيلا لخير الآخرة الحاصل من ثواب الامتثال على خير الدنيا الحاصل من الاستفضال الذي يطففه المطفف ، وهو أيضا أفضل منه في الدنيا لأن انشراح النفس الحاصل للمرء من الإنصاف في الحق أفضل من الارتباح الحاصل له باستفضال شيء من المال.
والتأويل : تفعيل من الأول ، وهو الرجوع. يقال : أوله إذا أرجعه ، أي أحسن إرجاعا ، إذا أرجعه المتأمل إلى مراجعه وعواقبه ، لأن الإنسان عند التأمل يكون كالمنتقل بماهية الشيء في مواقع الأحوال من الصلاح والفساد فإذا كانت الماهية صلاحا استقر رأي المتأمل على ما فيها من الصلاح ، فكأنه أرجعها بعد التطواف إلى مكانها الصالح بها وهو مقرها ، فأطلق على استقرار الرأي بعد التأمل اسم التأويل على طريقة التمثيل ، وشاع ذلك حتى ساوى الحقيقة.
ومعنى كون ذلك أحسن تأويلا : أن النظر إذا جال في منافع التطفيف في الكيل والوزن وفي مضار الإيفاء فيهما ثم عاد فجال في مضار التطفيف ومنافع الإيفاء استقر وآل إلى أن الإيفاء بهما خير من التطفيف ، لأن التطفيف يعود على المطفف باقتناء جزء قليل من المال ويكسبه الكراهية والذم عند الناس وغضب الله والسحت في ماله مع احتقار نفسه في نفسه ، والإيفاء بعكس ذلك يكسبه ميل الناس إليه ورضى الله عنه ورضاه عن نفسه والبركة في ماله فهو أحسن تأويلا. وتقدم ذكر التأويل بمعانيه في المقدمة الأولى من مقدمات هذا التفسير.
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦))
القفو : الاتباع ، يقال : قفاه يقفوه إذا اتبعه ، وهو مشتق من اسم القفا ، وهو ما وراء العنق. واستعير هذا الفعل هنا للعمل. والمراد ب (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الخاطر النفساني الذي لا دليل عليه ولا غلبة ظن به.