والتصريف : أصله تعدد الصرف ، وهو النقل من جهة إلى أخرى. ومنه تصريف الرياح ، وهو هنا كناية عن التبيين بمختلف البيان ومتنوعه. وتقدم في قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) في سورة الأنعام [٤٦].
وحذف مفعول (صَرَّفْنا) لأن الفعل نزل منزلة اللازم فلم يقدر له مفعول ، أي ، بينا البيان ، أي ليذّكّروا ببيانه. ويذّكّروا : أصله يتذكروا ، فأدغم التاء في الذال لتقارب مخرجيهما ، وقد تقدم في أول سورة يونس ، وهو من الذكر المضموم الذال الذي هو ضد النسيان.
وضمير (لِيَذَّكَّرُوا) عائد إلى معلوم من المقام دل عليه قوله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) [الإسراء : ٤٠] أي ليذكر الذين خوطبوا بالتوبيخ في قوله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ) [الإسراء : ٤٠] ، فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة ، أو من خطاب المشركين إلى خطاب المؤمنين.
وقوله : (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) تعجب من حالهم.
وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف (لِيَذَّكَّرُوا) بسكون الذال وضم الكاف مخففة مضارع ذكر الذي مصدره الذّكر ـ بضم الذال ـ.
وجملة (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) في موضع الحال ، وهو حال مقصود منه التعجيب من حال ضلالتهم. إذ كانوا يزدادون نفورا من كلام فصّل وبين لتذكيرهم. وشأن التفصيل أن يفيد الطمأنينة للمقصود. والنفور : هروب الوحشي والدابة بجزع وخشية من الأذى. واستعير هنا لإعراضهم تنزيلا لهم منزلة الدواب والأنعام.
(قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢))
عود إلى إبطال تعدد الآلهة زيادة في استئصال عقائد المشركين من عروقها ، فالجملة استئناف ابتدائي بعد جملة (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) [الإسراء : ٣٩]. والمخاطب بالأمر بالقول هو النبي صلىاللهعليهوسلم لدمغهم بالحجة المقنعة بفساد قولهم. وللاهتمام بها افتتحت ب (قُلْ) تخصيصا لهذا بالتبليغ وإن كان جميع القرآن مأمورا بتبليغه.
وجملة كما يقولون معترضة للتنبيه على أن تعدد الآلهة لا تحقق له وإنما هو