تعالى ، وصول الخضوع والاستعطاف والتقرب ، أي لطلبوا ما يوصلهم إلى مرضاته كقوله : (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) [الإسراء : ٥٧].
ووجه الاستدلال أنكم جعلتموهم آلهة وقلتم ما نعبدهم إلا ليكونوا شفعاءنا عند الله ، فلو كانوا آلهة كما وصفتم إلهيتهم لكانوا لا غنى لهم عن الخضوع إلى الله ، وذلك كاف لكم بفساد قولكم ، إذ الإلهية تقتضي عدم الاحتياج فكان مآل قولكم إنهم عباد لله مكرمون عنده ، وهذا كاف في تفطنكم لفساد القول بإلهيتهم.
والابتغاء على هذا ابتغاء محبة ورغبة ، كقوله : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [المزمّل : ١٩]. وقريب من معناه قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] ، فالسبيل على هذا المعنى مجاز عن التوسل إليه والسعي إلى مرضاته.
وقوله : كما تقولون على هذا المعنى تقييد للكون في قوله : (لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ) أي لو كان معه آلهة حال كونهم كما تقولون ، أي كما تصفون إلهيتهم من قولكم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨].
واستحضار الذات العلية بوصف (ذِي الْعَرْشِ) دون اسمه العلم لما تتضمنه الإضافة إلى العرش من الشأن الجليل الذي هو مثار حسد الآلهة إياه وطمعهم في انتزاع ملكه على المعنى الأول ، أو الذي هو مطمع الآلهة الابتغاء من سعة ما عنده على المعنى الثاني.
وقرأ الجمهور كما تقولون بتاء الخطاب على الغالب في حكاية القول المأمور بتبليغه أن يحكى كما يقول المبلغ حين إبلاغه. وقرأه ابن كثير وحفص ـ بياء الغيبة ـ على الوجه الآخر في حكاية القول المأمور بإبلاغه للغير أن يحكى بالمعنى. لأن في حال خطاب الآمر المأمور بالتبليغ يكون المبلغ له غائبا وإنما يصير مخاطبا عند التبليغ فإذا لوحظ حاله هذا عبر عنه بطريق الغيبة كما قرئ قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) [آل عمران : ١٢] ـ بالتاء وبالياء ـ أو على أن قوله : (كَما يَقُولُونَ) اعتراض بين شرط (لو) وجوابه.
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣))
إنشاء تنزيه لله تعالى عما ادعوه من وجود شركاء له في الإلهية.