وهذا من المقول اعتراض بين أجزاء المقول ، وهو مستأنف لأنه نتيجة لبطلان قولهم :إن مع الله آلهة ، بما نهضت به الحجة عليهم من قوله : (إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً). وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله تعالى : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) في سورة الأنعام [١٠٠].
والمراد بما يقولون ما يقولونه مما ذكر آنفا كقوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ).
و (عُلُوًّا) مفعول مطلق عامله (تَعالى). جيء به على غير قياس فعله للدلالة على أن التعالي هو الاتصاف بالعلو بحق لا بمجرد الادعاء كقول سعدة أم الكميت بن معروف :
تعاليت فوق الحق عن آل فقعس |
|
ولم تخش فيهم ردة اليوم أو غد |
وقوله سبحانه : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) [المؤمنون : ٢٤] ، أي يدعي الفضل ولا فضل له. وهو منصوب على المفعولية المطلقة المبينة للنوع.
والمراد بالكبير الكامل في نوعه. وأصل الكبير صفة مشبهة : الموصوف بالكبر. والكبر: ضخامة جسم الشيء في متناول الناس ، أي تعالى أكمل علو لا يشوبه شيء من جنس ما نسبوه إليه ، لأن المنافاة بين استحقاق ذاته وبين نسبة الشريك له والصاحبة والولد بلغت في قوة الظهور إلى حيث لا تحتاج إلى زيادة لأن وجوب الوجود والبقاء ينافي آثار الاحتياج والعجز.
وقرأ الجمهور (عَمَّا يَقُولُونَ) بياء الغيبة. وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بتاء الخطاب ـ على أنه التفات ، أو هو من جملة المقول من قوله : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ) [الإسراء : ٤٢] على هذه القراءة.
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤))
جملة يسبح له إلخ. حال من الضمير في (سُبْحانَهُ) أي نسبحه في حال أنه يسبح (لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ) إلخ ، أي يسبح له العوالم وما فيها وتنزيهه عن النقائص.
واللام في قوله : (لَهُ) لام تعدية (يُسَبِّحُ) المضمن معنى يشهد بتنزيهه ، أو هي اللام المسماة لام التبيين كالتي في قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] وفي قولهم: حمدت الله لك.