العقاب لهم في الدنيا لو لا أن الله عاملهم بالحلم والإمهال. وفي ذلك تعريض بالحث على الإقلاع عن مقالتهم ليغفر الله لهم.
وزيادة (كان) للدلالة على أن الحلم والغفران صفتان له محققتان.
(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥))
عطف جملة على جملة وقصة على قصة ، فإنه لما نوّه بالقرآن في قوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] ، ثم أعقب بما اقتضاه السياق من الإشارة إلى ما جاء به القرآن من أصول العقيدة وجوامع الأعمال وما تخلل ذلك من المواعظ والعبر عاد هنا إلى التنبيه على عدم انتفاع المشركين بهدي القرآن لمناسبة الإخبار عن عدم فقههم دلالة الكائنات على تنزيه الله تعالى عن النقائص ، وتنبيها للمشركين على وجوب إقلاعهم عن بعثتهم وعنادهم ، وتأمينا للنبي صلىاللهعليهوسلم من مكرهم به وإضمارهم إضراره ، وقد كانت قراءته القرآن تغيظهم وتثير في نفوسهم الانتقام.
وحقيقة الحجاب : الساتر الذي يحجب البصر عن رؤية ما وراءه. وهو هنا مستعار للصرفة التي يصرف الله بها أعداء النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن الإضرار به للإعراض الذي يعرضون به عن استماع القرآن وفهمه. وجعل الله الحجاب المذكور إيجاد ذلك الصارف في نفوسهم بحيث يهمون ولا يفعلون ، وذلك من خور الإرادة والعزيمة بحيث يخطر الخاطر في نفوسهم ثم لا يصممون ، وتخطر معاني القرآن في أسماعهم ثم لا يتفهمون. وذلك خلق يسري إلى النفوس تدريجيا تغرسه في النفوس بادئ الأمر شهوة الإعراض وكراهية المسموع منه ثم لا يلبث أن يصير ملكة في النفس لا تقدر على خلعه ولا تغييره.
وإطلاق الحجاب على ما يصلح للمعنيين إما للحمل على حقيقة اللفظ ، وإما للحمل على ما له نظير في القرآن. وقد جاء في الآية الأخرى (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥].
ولما كان إنكارهم البعث هو الأصل الذي استبعدوا به دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم حتى زعموا أنه يقول محالا إذ يخبر بإعادة الخلق بعد الموت (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ* أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) [سبأ :