و (إِذْ يَقُولُ) بدل من (إِذْ هُمْ نَجْوى) بدل بعض من كل ، لأن نجواهم غير منحصرة في هذا القول. وإنما خص هذا القول بالذكر لأنه أشدّ غرابة من بقية آفاكهم للبون الواضح بين حال النبي صلىاللهعليهوسلم وبين حال المسحور.
ووقع إظهار في مقام الإضمار في (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) دون : إذ يقولون ، للدلالة على أن باعث قولهم ذلك هو الظلم ، أي الشرك فإن الشرك ظلم ، أي ولو لا شركهم لما مثل عاقل حالة النبي الكاملة بحالة المسحور. ويجوز أن يراد الظلم أيضا الاعتداء ، أي الاعتداء على النبي صلىاللهعليهوسلم كذبا.
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨))
جملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ونظائرها كثيرة في القرآن.
والتعبير بفعل النظر إشارة إلى أنه بلغ من الوضوح أن يكون منظورا.
والاستفهام ب (كيف) للتعجيب من حالة تمثيلهم للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالمسحور ونحوه.
وأصل (ضرب) وضع الشيء وتثبيته يقال : ضرب خيمة ، ويطلق على صوغ الشيء على حجم مخصوص ، يقال : ضرب دنانير ، وهو هنا مستعار للإبراز والبيان تشبيها للشيء المبرز المبين بالشيء المثبت. وتقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) في [البقرة : ٢٦].
واللام في (لَكَ) للتعليل والأجل ، أي ضربوا الأمثال لأجلك ، أي لأجل تمثيلك ، أي مثلوك. يقال : ضربت لك مثلا بكذا. وأصله مثلتك بكذا ، أي أجد كذا مثلا لك ، قال تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) [النحل : ٧٤] وقال : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) [يس : ١٣] أي اجعلهم مثلا لحالهم.
وجمع (الْأَمْثالَ) هنا ، وإن كان المحكي عنهم أنهم مثلوه بالمسحور ، وهو مثل واحد ، لأن المقصود التعجيب من هذا المثل ومن غيره فيما يصدر عنهم من قولهم : هو شاعر ، هو كاهن ، هو مجنون ، هو ساحر ، هو مسحور. وسميت أمثالا باعتبار حالهم لأنهم تحيروا فيما يصفونه به للناس لئلا يعتقدوه نبيئا ، فجعلوا يتطلبون أشبه الأحوال بحاله في
خيالهم فيلحقونه به ، كمن يدرج فردا غريبا في أشبه الأجناس به ، كمن يقول في