بعد هذه الآية ويزاد به مقداره.
وجملة (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) معترضة بين (الْكِتابَ) وبين الحال منه وهو (قَيِّماً). والواو اعتراضية. ويجوز كون الجملة حالا والواو حالية.
والعوج ـ بكسر العين وفتحها وبفتح الواو ـ حقيقته : انحراف جسم ما عن الشكل المستقيم ، فهو ضد الاستقامة. ويطلق مجازا على الانحراف عن الصواب والمعاني المقبولة المستحسنة.
والذي عليه المحققون من أئمة اللغة أن مكسور العين ومفتوحها سواء في الإطلاقين الحقيقي والمجازي. وقيل : المكسور العين يختص بالإطلاق المجازي وعليه درج في «الكشاف». ويبطله قوله تعالى لما ذكر نسف الجبال (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٦ ـ ١٠٧] حيث اتفق القراء على قراءته ـ بكسر العين ـ. وعن ابن السكيت : أن المكسور أعم يجيء في الحقيقي والمجازي وأن المفتوح خاص بالمجازي.
والمراد بالعوج هنا عوج مدلولات كلامه بمخالفتها للصواب وتناقضها وبعدها عن الحكمة وإصابة المراد.
والمقصود من هذه الجملة المعترضة أو الحالية إبطال ما يرميه به المشركون من قولهم : «افتراه ، وأساطير الأولين ، وقول كاهن» ، لأن تلك الأمور لا تخلو من عوج ، قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢].
وضمير (لَهُ) عائد إلى (الْكِتابَ).
وإنما عدي الجعل باللام دون (في) لأن العوج المعنوي يناسبه حرف الاختصاص دون حرف الظرفية لأن الظرفية من علائق الأجسام ، وأما معنى الاختصاص فهو أعم.
فالمعنى : أنه متصف بكمال أوصاف الكتب من صحة المعاني والسلامة من الخطأ والاختلاف. وهذا وصف كمال للكتاب في ذاته وهو مقتض أنه أهل للانتفاع به ، فهذا كوصفه بأنه (لا رَيْبَ فِيهِ) في سورة البقرة [٢].
و (قَيِّماً) حال من (الْكِتابَ) أو من ضميره المجرور باللام ، لأنه إذا جعل حالا