في وجود مكان هو مجمع للبحرين والفاء طلبته عنده ، لأنه علم ذلك بوحي من الله تعالى ، تعين أن يكون المقصود بحرف الترديد تأكيد مضيه زمنا يتحقق فيه الوصول إلى مجمع البحرين. فالمعنى : لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين بسير قريب أو أسير أزمانا طويلة فإني بالغ مجمع البحرين لا محالة ، وكأنه أراد بهذا تأييس فتاه من محاولة رجوعهما ، كما دل عليه قوله بعد (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) [الكهف : ٦٢].
أو أراد شحذ عزيمة فتاه ليساويه في صحة العزم حتى يكونا على عزم متحد.
[٦١ ـ ٦٣] (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣))
الفاء للتفريع والفصيحة لأنها تفصح عن كلام مقدر ، أي فسارا حتى بلغا مجمع البحرين. وضمير (بَيْنِهِما) عائد إلى البحرين ، أي محلا يجمع بين البحرين. وأضيف (مجمع) إلى (بين) على سبيل التوسع ، فإن (بين) اسم لمكان متوسط شيئين ، وشأنه في اللغة أن يكون ظرفا للفعل ، ولكنه قد يستعمل لمجرد مكان متوسط إما بالإضافة كما هنا ، ومنه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) [المائدة : ١٠٦] ، وهو بمنزلة إضافة المصدر أو اسم الفاعل إلى معمولة ؛ أو بدون إضافة توسعا كقوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] في قراءة من قرأ برفع بينكم.
والحوت هو الذي أمر الله موسى باستصحابه معه ليكون له علامة على المكان الذي فيه الخضر كما تقدم في سياق الحديث. والنسيان تقدم في قوله تعالى : (أَوْ نُنْسِها) في سورة البقرة [١٠٦].
ومعنى نسيانهما أنهما نسيا أن يراقبا حاله أباق هو في مكتله حينئذ حتى إذا فقداه في مقامهما ذلك تحققا أن ذلك الموضع الذي فقداه فيه هو الموضع المؤقت لهما بتلك العلامة فلا يزيدا تعبا في المشي ، فإسناد النسيان إليهما حقيقة ، لأن يوشع وإن كان هو الموكل بحفظ الحوت فكان عليه مراقبته إلا أن موسى هو القاصد لهذا العمل فكان يهمه تعهده ومراقبته. وهذا يدل على أن صاحب العمل أو الحاجة إذا وكله إلى غيره لا ينبغي له ترك تعهده. ثم إن موسى ـ عليهالسلام ـ نام وبقي فتاه يقظان فاضطرب الحوت وجعل