أن هذا الحال الغريب العظيم الذي ذكر من قصته ما هو إلا من أحوال عباد كثيرين لله تعالى. وما منهم إلا له مقام معلوم.
وإيتاء الرحمة يجوز أن يكون معناه : أنه جعل مرحوما ، وذلك بأن رفق الله به في أحواله. ويجوز أن يكون جعلناه سبب رحمة بأن صرفه تصرفا يجلب الرحمة العامة. والعلم من لدن الله : هو الإعلام بطريق الوحي.
و (عند) و (لدن) كلاهما حقيقته اسم مكان قريب. ويستعملان مجازا في اختصاص المضاف إليه بموصوفهما.
و (من) ابتدائية ، أي آتيناه رحمة صدرت من مكان القرب ، أي الشرف وهو قرب تشريف بالانتساب إلى الله ، وعلما صدر منه أيضا. وذلك أن ما أوتيه من الولاية أو النبوءة رحمة عزيزة ، أو ما أوتيه من العلم عزيز ، فكأنهما مما يدخر عند الله في مكان القرب التشريفي من الله فلا يعطى إلا للمصطفين.
والمخالفة بين (مِنْ عِنْدِنا) وبين (مِنْ لَدُنَّا) للتفنن تفاديا من إعادة الكلمة. وجملة (قالَ لَهُ مُوسى) ابتداء محاورة ، فهو استئناف ابتدائي ، ولذلك لم يقع التعبير ب (قال) مجردة عن العاطف.
والاستفهام في قوله : (هَلْ أَتَّبِعُكَ) مستعمل في العرض بقرينة أنه استفهام عن عمل نفس المستفهم. والاتباع : مجاز في المصاحبة كقوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) [النّجم : ٢٨].
و (على) مستعملة في معنى الاشتراط لأنه استعلاء مجازي. جعل الاتباع كأنه مستعمل فوق التعليم لشدة المقارنة بينهما. فصيغة : أفعل كذا على كذا ، من صيغ الالتزام والتعاقد.
ويؤخذ من الآية جواز التعاقد على تعليم القرآن والعلم ، كما في حديث تزويج المرأة التي عرضت نفسها على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يقبلها ، فزوجها من رغب فيها على أن يعلمها ما معه من القرآن.
وفيه أنه التزام يجب الوفاء به. وقد تفرع عن حكم لزوم الالتزام أن العرف فيه يقوم مقام الاشتراط فيجب على المنتصب للتعليم أن يعامل المتعلمين بما جرى عليه عرف أقاليمهم.