من أحدهما ثبت الاتصاف به للآخر إذ هما شيء واحد ، فلا طائل فيما أطالوا به من الإعراب.
والقيم : صفة مبالغة من القيام المجازي الذي يطلق على دوام تعهد شيء وملازمة صلاحه ، لأن التعهد يستلزم القيام لرؤية الشيء والتيقظ لأحواله ، كما تقدم عند قوله تعالى: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) في سورة البقرة [٢٥٥].
والمراد به هنا أنه قيم على هدي الأمة وإصلاحها ، فالمراد أن كماله متعدّ بالنفع ، فوزانه وزان وصفه بأنه (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) في سورة البقرة : [٢].
والجمع بين قوله : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) وقوله : (قَيِّماً) كالجمع بين (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢] وبين (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] وليس هو تأكيدا لنفي العوج.
(لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ)
(لِيُنْذِرَ) متعلق ب (أَنْزَلَ). والضمير المرفوع عائد إلى اسم الجلالة ، أي لينذر الله بأسا شديدا من لدنه ، والمفعول الأول (لِيُنْذِرَ) محذوف لقصد التعميم ، أو تنزيلا للفعل منزلة اللازم لأن المقصود المنذر به وهو البأس الشديد تهويلا له ولتهديد المشركين المنكرين إنزال القرآن من الله.
والبأس : الشدة في الألم. ويطلق على القوة في الحرب لأنها تؤلم العدو. وقد تقدم في قوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) من سورة البقرة [١٧٧]. والمراد هنا : شدة الحال في الحياة الدنيا ، وذلك هو الذي أطلق على اسم البأس في القرآن ، وعليه درج الطبري. وهذا إيماء بالتهديد للمشركين بما سيلقونه من القتل والأسر بأيدي المسلمين ، وذلك بأس من لدنه تعالى لأنه بتقديره وبأمره عباده أن يفعلوه ، فاستعمال (لدن) هنا في معنييه الحقيقي والمجازي.
وليس في جعل الإنذار ببأس الدنيا علّة لإنزال الكتاب ما يقتضي اقتصار علل إنزاله على ذلك ، لأن الفعل الواحد قد تكون له علل كثيرة يذكر بعضها ويترك بعض.
وإنما آثرت الحمل على جعل اليأس الشديد بأس الدنيا للتفصي مما يرد على إعادة فعل (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [الكهف : ٤] كما سيأتي.
ويجوز أن يراد بالبأس عذاب الآخرة فإنه بأس شديد ، ويكون قوله : (مِنْ لَدُنْهُ)