صحبة من يطرأ عليه النسيان ، ولذلك بني كلام موسى على طلب عدم المؤاخذة بالنسيان ولم يبن على الاعتذار بالنسيان ، كأنه رأى نفسه محقوقا بالمؤاخذة ، فكان كلاما بديع النسيج في الاعتذار.
والمؤاخذة : مفاعلة من الأخذ ، وهي هنا للمبالغة لأنها من جانب واحد كقوله تعالى: (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) [النحل : ٦١].
و (ما) مصدرية ، أي لا تؤاخذني بنسياني.
والإرهاق : تعدية رهق ، إذا غشي ولحق ، أي لا تغشّني عسرا. وهو هنا مجاز في المعاملة بالشدة.
والإرهاق : مستعار للمعاملة والمقابلة.
والعسر : الشدة وضد اليسر. والمراد هنا : عسر المعاملة ، أي عدم التسامح معه فيما فعله فهو يسأله الإغضاء والصفح.
والأمر : الشأن.
و (من) يجوز أن تكون ابتدائية ، فكون المراد بأمره نسيانه ، أي لا تجعل نسياني منشئا لإرهاقي عسرا. ويجوز أن تكون بيانية فيكون المراد بأمره شأنه معه ، أي لا تجعل شأني إرهاقك إياي عسرا.
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤))
يدل تفريع قوله : (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) عن اعتذار موسى ، على أن الخضر قبل عذره وانطلقا مصطحبين.
والقول في نظم قوله : (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) كالقول في قوله : (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ) [الكهف : ٧١].
وقوله : (فَقَتَلَهُ) تعقيب لفعل (لَقِيا) تأكيدا للمبادرة المفهومة من تقديم الظرف ، فكانت المبادرة بقتل الغلام عند لقائه أسرع من المبادرة بخرق السفينة حين ركوبها.
وكلام موسى في إنكار ذلك جرى على نسق كلامه في إنكار خرق السفينة سوى أنه