وصف هذا الفعل بأنه نكر ، وهو ـ بضمتين ـ : الذي تنكره العقول وتستقبحه ، فهو أشد من الشيء الإمر ، لأن هذا فساد حاصل والآخر ذريعة فساد كما تقدم. ووصف النفس بالزاكية لأنها نفس غلام لم يبلغ الحلم فلم يقترف ذنبا فكان زكيا طاهرا. والزكاء : الزيادة في الخير.
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، ورويس عن يعقوب زاكية ـ بألف بعد الزاي ـ اسم فاعل من زكا. وقرأ الباقون (زَكِيَّةً) ، وهما بمعنى واحد.
قال ابن عطية : النون من قوله : (نُكْراً) هي نصف القرآن ، أي نصف حروفه. وقد تقدم أن ذلك مخالف لقول الجمهور : إن نصف القرآن هو حرف التاء من قوله تعالى : (وَلْيَتَلَطَّفْ) في هذه السورة [١٩].
[٧٥ ، ٧٦] (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦))
كان جواب الخضر هذا على نسق جوابه السابق إلا أنه زاد ما حكي في الآية بكلمة (لَكَ) وهو تصريح بمتعلّق فعل القول. وإذ كان المقول له معلوما من مقام الخطاب كان في التصريح بمتعلق فعل القول تحقيق لوقوع القول وتثبيت له وتقوية ، والداعي لذلك أنه أهمل العمل به.
واللام في قوله (لَكَ) لام التبليغ ، وهي التي تدخل على اسم أو ضمير السامع لقول أو ما في معناه ، نحو : قلت له ، وأذنت له ، وفسّرت له ؛ وذلك عند ما يكون المقول له الكلام معلوما من السياق فيكون ذكر اللام لزيادة تقوي الكلام وتبليغه إلى السامع ، ولذلك سميت لام التبليغ. ألا ترى أن اللام لم يحتج لذكره في جوابه أول مرة (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ، فكان التقرير والإنكار مع ذكر لام تعدية القول أقوى وأشدّ.
وهنا لم يعتذر موسى بالنسيان : إما لأنه لم يكن نسي ، ولكنه رجّح تغيير المنكر العظيم ، وهو قتل النفس بدون موجب ، على واجب الوفاء بالالتزام ؛ وإما لأنّه نسي وأعرض عن الاعتذار بالنسيان لسماجة تكرر الاعتذار به ، وعلى الاحتمالين فقد عدل إلى المبادرة باشتراط ما تطمئن إليه نفس صاحبه بأنه إن عاد للسؤال الذي لا يبتغيه صاحبه فقد جعل له أن لا يصاحبه بعده.