مستعملا في حقيقته. وبهذا الوجه فسر جمهور المفسرين.
ويجوز أن يراد بالبأس الشديد ما يشمل بأس عذاب الآخرة وبأس عذاب الدنيا ، وعلى هذا درج ابن عطية والقرطبي ، ويكون استعمال من (لَدُنْهُ) في معنييه الحقيقي والمجازي ، أما في عذاب الآخرة فظاهر ، وأما في عذاب الدنيا فلأن بعضه بالقتل والأسر وهما من أفعال الناس ولكن الله أمر المسلمين بهما فهما من لدنه.
وحذف مفعول (لِيُنْذِرَ) لدلالة السياق عليه لظهور أنه ينذر الذين لم يؤمنوا بهذا الكتاب ولا بالمنزل عليه ، ولدلالة مقابله عليه في قوله : (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ).
(وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) (٣) عطف على قوله : (لِيُنْذِرَ بَأْساً) ، فهو سبب آخر لإنزال الكتاب أثارته مناسبة ذكر الإنذار ليبقى الإنذار موجها إلى غيرهم.
وقوله : (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) متعلق ب (يُبَشِّرَ) بحذف حرف الجر مع (أن) ، أي بأن لهم أجرا حسنا. وذكر الإيمان والعمل الصالح للإشارة إلى أن استحقاق ذلك الأجر بحصول ذلك لأمرين. ولا يتعرض القرآن في الغالب لحالة حصول الإيمان مع شيء من الأعمال الصالحة كثير أو قليل ، ولحكمه أدلة كثيرة.
والمكث : الاستقرار في المكان ، شبه ما لهم من اللذات والملائمات بالظرف الذي يستقر فيه حالّه للدلالة على أن الأجر الحسن كالمحيط بهم لا يفارقهم طرفة عين ، فليس قوله: (أَبَداً) بتأكيد لمعنى (ماكِثِينَ) بل أفيد بمجموعها الإحاطة والدوام.
[٤ ، ٥] (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥))
(وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ).
تعليل آخر لإنزال الكتاب على عبده ، جعل تاليا لقوله : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) [الكهف : ٢] باعتبار أن المراد هنا إنذار مخصوص مقابل لما بشر به المؤمنين. وهذا إنذار بجزاء خالدين فيه وهو عذاب الآخرة ، فإن جريت على تخصيص البأس في قوله : (بَأْساً شَدِيداً) [الكهف : ٢] بعذاب الدنيا كما تقدم كان هذا الإنذار مغايرا لما