قوله (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) ، فالإشارة بذلك إلى المذكور في الكلام السابق وهو تلخيص للمقصود كحوصلة المدرس في آخر درسه.
و (تَسْطِعْ) مضارع (اسطاع) بمعنى (استطاع). حذف تاء الاستفعال تخفيفا لقربها من مخرج الطاء ، والمخالفة بينه وبين قوله (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) للتفنن تجنبا لإعادة لفظ بعينه مع وجود مرادفه. وابتدئ بأشهرهما استعمالا وجيء بالثانية بالفعل المخفف لأنّ التخفيف أولى به لأنه إذا كرر (تَسْتَطِعْ) يحصل من تكريره ثقل.
وأكد الموصول الأول الواقع في قوله (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) تأكيدا للتعريض باللوم على عدم الصبر.
واعلم أن قصة موسى والخضر قد اتخذتها طوائف من أهل النحل الإسلامية أصلا بنوا عليه قواعد موهومة.
فأول ما أسسوه منها أنّ الخضر لم يكن نبيئا وإنما كان عبدا صالحا ، وأن العلم الذي أوتيه ليس وحيا ولكنه إلهام ، وأن تصرفه الذي تصرفه في الموجودات أصل لإثبات العلوم الباطنية ، وأن الخضر منحه الله البقاء إلى انتهاء مدة الدنيا ليكون مرجعا لتلقي العلوم الباطنية ، وأنه يظهر لأهل المراتب العليا من الأولياء فيفيدهم من علمه ما هم أهل لتلقّيه.
وبنوا على ذلك أن الإلهام ضرب من ضروب الوحي ، وسموه الوحي الإلهامي ، وأنه يجيء على لسان ملك الإلهام ، وقد فصله الشيخ محيي الدين ابن العربي في الباب الخامس والثمانين من كتابه «الفتوحات المكية» ، وبيّن الفرق بينه وبين وحي الأنبياء بفروق وعلامات ذكرها منثورة في الأبواب الثالث والسبعين ، والثامن والستين بعد المائتين ، والرابع والستين بعد ثلاثمائة ، وجزم بأن هذا الوحي الإلهامي لا يكون مخالفا للشريعة ، وأطال في ذلك ، ولا يخلو ما قاله من غموض ورموز ، وقد انتصب علماء الكلام وأصول الفقه لإبطال أن يكون ما يسمى بالإلهام حجّة. وعرفوه بأنه إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر ، وأبطلوا كونه حجّة لعدم الثقة بخواطر من ليس معصوما ولتفاوت مراتب الكشف عندهم. وقد تعرض لها النسفي في «عقائده» ، وكل ما قاله النسفي في ذلك حق ، ولا يقام التشريع على أصول موهومة لا تنضبط.
والأظهر أن الخضر نبيء عليهالسلام وأنه كان موحى إليه بما أوحي ، لقوله (وَما