الترك : حقيقته مفارقة شيء شيئا كان بقربه ، ويطلق مجازا على جعل الشيء بحالة مخالفة لحالة سابقة تمثيلا لحال إلفائه على حالة ، ثم تغييرها بحال من كان قرب شيء ثم ذهب عنه ، وإنما يكون هذا المجاز مقيدا بحالة كان عليها مفعول ترك ، فيفيد أن ذلك آخر العهد ، وذلك يستتبع أنه يدوم على ذلك الحال الذي تركه عليها بالقرينة.
والجملة عطف على الجملة التي قبلها ابتداء من قوله (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) ، فهذه الجملة لذكر صنع الله تعالى في هذه القصة الثالثة من قصص ذي القرنين إذ ألهمه دفع فساد يأجوج وماجوج ، بمنزلة جملة (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) في القصة الأولى ، وجملة (كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) فجاء أسلوب حكاية هذه القصص الثلاث على نسق واحد.
و (يَوْمَئِذٍ) هو يوم إتمام بناء السد المستفاد من قوله (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) الآية.
و (يَمُوجُ) يضطرب تشبيها بموج البحر.
وجملة (يَمُوجُ) حال من (بَعْضَهُمْ) أو مفعول ثان ل (تَرَكْنا) على تأويله ب (جعلنا) ، أي جعلنا يأجوج وماجوج يومئذ مضطربين بينهم فصار فسادهم قاصرا عليهم ودفع عن غيرهم.
والنار تأكل نفسها |
|
إن لم تجد ما تأكله |
لأنهم إذا لم يجدوا ما اعتادوه من غزو الأمم المجاورة لهم رجع قويهم على ضعيفهم بالاعتداء.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (١٠١).
تخلص من أغراض الاعتبار بما في القصة من إقامة المصالح في الدنيا على أيدي من اختاره الله لإقامتها من خاصة أوليائه ، إلى غرض التذكير بالموعظة بأحوال الآخرة ، وهو تخلص يؤذن بتشبيه حال تموجهم بحال تموج الناس في المحشر ، تذكيرا للسامعين بأمر الحشر وتقريبا بحصوله في خيال المشركين. فإن القادر على جمع أمة كاملة وراء هذا السد ، بفعل من يسره لذلك من خلقه ، هو الأقدر على جمع الأمم في الحشر بقدرته ، لأنّ متعلقات القدرة في عالم الآخرة أعجب. وقد تقدّم أن من أهم أغراض هذه السورة إثبات