إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ* قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) [سبأ : ٤٠ ـ ٤١].
وإظهار الذين كفروا دون أن يقال : أفحسبوا ، بإعادة الضمير إلى الكافرين في الآية قبلها ، لقصد استقلال الجملة بدلالتها ، وزيادة في إظهار التوبيخ لها.
وجملة (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) مقررة لإنكار انتفاعهم بأوليائهم فأكد بأن جهنم أعدت لهم نزلا فلا محيص لهم عنها ولذلك أكد بحرف (إنّ).
و (أَعْتَدْنا) : أعددنا ، أبدل الدال الأولى تاء لقرب الحرفين ، والإعداد : التهيئة ، وقد تقدم آنفا عند قوله تعالى : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً) [الكهف : ٢٩]. وجعل المسند إليه ضمير الجلالة لإدخال الروع في ضمائر المشركين.
والنزل ـ بضمتين ـ : ما يعدّ للنزيل والضيف من القرى. وإطلاق اسم النزل على العذاب استعارة علاقتها التهكم ، كقول عمرو بن كلثوم :
قريناكم فعجّلنا قراكم |
|
قبيل الصبح مرداة طحونا |
[١٠٣ ، ١٠٤] (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤))
اعتراض باستئناف ابتدائي أثاره مضمون جملة (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلخ ... فإنهم لما اتخذوا أولياء من ليسوا ينفعونهم فاختاروا الأصنام وعبدوها وتقربوا إليها بما أمكنهم من القرب اغترارا بأنها تدفع عنهم وهي لا تغني عنهم شيئا فكان عملهم خاسرا وسعيهم باطلا. فالمقصود من هذه الجملة هو قوله (وَهُمْ يَحْسَبُونَ ...) إلخ.
وافتتاح الجملة بالأمر بالقول للاهتمام بالمقول بإصغاء السامعين لأنّ مثل هذا الافتتاح يشعر بأنه في غرض مهمّ ، وكذلك افتتاحه باستفهامهم عن إنبائهم استفهاما مستعملا في العرض لأنّه بمعنى : أتحبون أن ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، وهو عرض تهكم لأنه منبئهم بذلك دون توقف على رضاهم.
وفي قوله (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) إلى آخره ... تمليح إذ عدل فيه عن طريقة الخطاب بأن يقال لهم : هل ننبئكم بأنكم الأخسرون أعمالا ، إلى طريقة الغيبة بحيث يستشرفون إلى معرفة هؤلاء الأخسرين فما يروعهم إلّا أن يعلموا أنّ المخبر عنهم هم أنفسهم.
والمقول لهم : المشركون ، توبيخا لهم وتنبيها على ما غفلوا عنه من خيبة سعيهم.