ومن لوازم هذه الزينة أنها توقظ العقول إلى النظر في وجود منشئها وتسبر غور النفوس في مقدار الشكر لخالقها وجاعلها لهم ، فمن موف بحق الشكر ، ومقصر فيه وجاحد كافر بنعمة هذا المنعم ناسب إياها إلى غير موجدها. ومن لوازمها أيضا أنها تثير الشهوات لاقتطافها وتناولها فتستثار من ذلك مختلف الكيفيات في تناولها وتعارض الشهوات في الاستيثار بها مما يفضي إلى تغالب الناس بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض. وذلك الذي أوجد حاجتهم إلى الشرائع لتضبط لهم أحوال معاملاتهم ، ولذلك علل جعل ما على الأرض زينة بقوله : (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، أي أفوت في حسن العمل من عمل القلب الراجع إلى الإيمان والكفر ، وعلم الجسد المتبدي في الامتثال للحق والحيدة عنه.
فمجموع الناس متفاوتون في حسن العمل. ومن درجات التفاوت في هذا الحسن تعلم بطريق الفحوى درجة انعدام الحسن من أصله وهي حالة الكفر وسوء العمل ، كما جاء في حديث «.. مثل المنافق الذي يقرأ القرآن ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن ..».
والبلو : الاختبار والتجربة. وقد تقدم عند قوله تعالى : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) في سورة يونس [٣٠]. وهو هنا مستعار لتعلق علم الله التنجيزي بالمعلوم عند حصوله بقرينة الأدلة العقلية والسمعية الدالة على إحاطة علم الله بكل شيء قبل وقوعه فهو مستغن عن الاختبار والتجربة. وفائدة هذه الاستعارة الانتقال منها إلى الكناية عن ظهور ذلك لكل الناس حتى لا يلتبس عليهم الصالح بضده. وهو كقول قيس بن الخطيم :
وأقبلت والخطي يخطر بيننا |
|
لأعلم من جبانها من شجاعها |
وقوله : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) تكميل للعبرة وتحقيق لفناء العالم. فقوله : (لَجاعِلُونَ) اسم فاعل مراد به المستقبل ، أي سنجعل ما على الأرض كله معدوما فلا يكون على الأرض إلا تراب جاف أجرد لا يصلح للحياة فوقه وذلك هو فناء العالم ، قال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) [إبراهيم : ٤٨].
والصعيد : التراب. والجرز : القاحل الأجرد. وسيأتي بيان معنى الصعيد عند قوله : (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) في هذه السورة [٤٠].
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩))
(أم) للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض. ولما كان هذا من المقاصد التي