(لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً)
الخطاب لغير معين ، أي لو اطلعت عليهم أيها السامع حين كانوا في تلك الحالة قبل أن يبعثهم الله ، إذ ليس في الكلام أنهم لم يزالوا كذلك زمن نزول الآية.
والمعنى : لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصتهم لحسبتهم لصوصا قطاعا للطريق ، إذ هم عدد في كهف وكانت الكهوف مخابئ لقطاع الطريق ، كما قال تأبط شرا :
أقول للحيان وقد صفّرت لهم |
|
وطابي يومي ضيّق الجحر معور |
ففررت منهم وملكك الرعب من شرهم ، كقوله تعالى : (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ٧٠]. وليس المراد الرعب من ذواتهم إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس ، ولا الخوف من كونهم أمواتا إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب ، على أنه قد سبق (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ).
والاطلاع : الإشراف على الشيء ورؤيته من مكان مرتفع ، لأنه افتعال من طلع إذا ارتقى جبلا ، فصيغ الافتعال للمبالغة في الارتقاء ، وضمن معنى الإشراف فعدي ب (على) ، ثم استعمل مجازا مشهورا في رؤية الشيء الذي لا يراه أحد ، وسيأتي ذكر هذا الفعل عند قوله تعالى : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) في سورة مريم [٧٨] ، فضلا عن أن يكون الخطاب للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم. وفي «الكشاف» عن ابن عباس ما يقتضي ذلك وليس بصحيح.
وانتصب (فِراراً) على المفعول المطلق المبين لنوع (لَوَلَّيْتَ).
و (لَمُلِئْتَ) مبني للمجهول ، أي ملاك الرعب وملّا بتشديد اللام مضاعف ملا وقرئ بهما.
والملء : كون المظروف حالا في جميع فراغ الظرف بحيث لا تبقى في الظرف سعة لزيادة شيء من المظروف ، فمثلت الصفة النفسية بالمظروف ، ومثل عقل الإنسان بالظرف ، ومثل تمكن الصفة من النفس بحيث لا يخالطها تفكير في غيرها بملء الظرف بالمظروف ، فكان في قوله : (لَمُلِئْتَ) استعارة تمثيلية ، وعكسه قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) [القصص : ١٠].
وانتصب (رُعْباً) على تمييز النسبة المحول عن الفاعل في المعنى لأن الرعب هو الذي يملأ ، فلما بني الفعل إلى المجهول لقصد الإجمال ثم التفصيل صار ما حقه أن يكون فاعلا تمييزا. وهو إسناد بديع حصل منه التفصيل بعد الإجمال ، وليس تمييزا محولا