وإنما ارتأوا أن يبنوا عليهم بنيانا لأنهم خشوا عليهم من تردد الزائرين غير المتأدبين ، فلعلهم أن يؤذوا أجسادهم وثيابهم باللمس والتقليب ، فأرادوا أن يبنوا عليهم بناء يمكن غلق بابه وحراسته.
وجملة (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) يجوز أن تكون من حكاية كلام الذين قالوا ، ابنوا عليهم بنيانا. والمعنى : ربهم أعلم بشئونهم التي تنازعنا فيها ، فهذا تنهية للتنازع في أمرهم. ويجوز أن تكون معترضة من كلام الله تعالى في أثناء حكاية تنازع الذين أعثروا عليهم ، أي رب أهل الكهف أو رب المتنازعين في أمرهم أعلم منهم بواقع ما تنازعوا فيه.
والذين غلبوا على أمرهم ولاة الأمور بالمدينة ، فضمير (أَمْرَهُمْ) يعود إلى ما عاد إليه ضمير (فَقالُوا) ، أي الذين غلبوا على أمر القائلين : ابنوا عليهم بنيانا.
وإنما رأوا أن يكون البناء مسجدا ليكون إكراما لهم ويدوم تعهد الناس كهفهم. وقد كان اتخاذ المساجد على قبور الصالحين من سنة النصارى ، ونهى عنه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما في الحديث يوم وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قالت عائشة ـ رضياللهعنها ـ : «ولو لا ذلك لأبرز قبره» ، أي لأبرز في المسجد النبوي ولم يجعل وراء جدار الحجرة.
واتخاذ المساجد على القبور ، والصلاة فيها منهي عنه ، لأن ذلك ذريعة إلى عبادة صاحب القبر أو شبيه بفعل من يعبدون صالحي ملتهم. وإنما كانت الذريعة مخصوصة بالأموات لأن ما يعرض لأصحابهم من الأسف على فقدانهم يبعثهم على الإفراط فيما يحسبون أنه إكرام لهم بعد موتهم ، ثم يتناسى الأمر ويظن الناس أن ذلك لخاصية في ذلك الميّت. وكان بناء المساجد على القبور سنة لأهل النصرانية ، فإن كان شرعا لهم فقد نسخه الإسلام ، وإن كان بدعة منهم في دينهم فأجدر.
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢))
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ).
لما شاعت قصة أهل الكهف حين نزل بها القرآن صارت حديث النوادي ، فكانت