وجملة (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) مستأنفة استئنافا بيانيا لما تثيره جملة (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) إلى آخرها من ترقب تعيين ما يعتمد عليه من أمر عدتهم. فأجيب بأن يحال العلم بذلك على علام الغيوب. وإسناد اسم التفضيل إلى الله تعالى يفيد أن علم الله بعدتهم هو العلم الكامل وأن علم غيره مجرد ظن وحدس قد يصادف الواقع وقد لا يصادفه.
وجملة (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) كذلك مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الإخبار عن الله بأنه الأعلم يثير في نفوس السامعين أن يسألوا : هل يكون بعض الناس عالما بعدتهم علما غير كامل ، فأجيب بأن قليلا من الناس يعلمون ذلك ولا محالة هم من أطلعهم الله على ذلك بوحي وعلى كلّ حال فهم لا يوصفون بالأعلمية لأن علمهم مكتسب من جهة الله الأعلم بذلك.
(فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً)
تفريع على الاختلاف في عدد أهل الكهف ، أي إذ أراد بعض المشركين المماراة في عدة أهل الكهف لأخبار تلقوها من أهل الكتاب أو لأجل طلب تحقيق عدتهم فلا تمارهم إذ هو اشتغال بما ليس فيه جدوى. وهذا التفريع وما عطف عليه معترض في أثناء القصة.
والتماري : تفاعل مشتق من المرية ، وهي الشك. واشتقاق المفاعلة يدل على أنها إيقاع من الجانبين في الشك ، فيؤول إلى معنى المجادلة في المعتقد لإبطاله وهو يفضي إلى الشك فيه ، فأطلق المراء على المجادلة بطريق المجاز ، ثم شاع فصار حقيقة لما ساوى الحقيقة. والمراد بالمراء فيهم : المراء في عدتهم كما هو مقتضى التفريع.
والمراء الظاهر : هو الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا يطول الخوض فيه. وذلك مثل قوله: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) وقوله : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) ، فإن هذا مما لا سبيل إلى إنكاره وإبايته لوضوح حجّته وما وراء ذلك محتاج إلى الحجة فلا ينبغي الاشتغال به لقلة جدواه.
والاستفتاء : طلب الفتوى ، وهي الخبر عن أمر علمي مما لا يعلمه كل أحد. ومعنى (فِيهِمْ) أي في أمرهم ، أي أمر أهل الكهف. والمراد من النهي عن استفتائهم الكناية عن جهلهم بأمر أهل الكهف ، فضمير (مِنْهُمْ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) ،