وهم أهل مكة الذين سألوا عن أمر أهل الكهف.
أو يكون كناية رمزية عن حصول علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بحقيقة أمرهم بحيث هو غني عن استفتاء أحد ، وأنه لا يعلم المشركين بما علمه الله من شأن أهل الكهف ، وتكون (من) تعليلية ، والضمير المجرور بها عائدا إلى السائلين المتعنتين ، أي لا تسأل علم ذلك من أجل حرص السائلين على أن تعلمهم بيقين أمر أهل الكهف فإنك علمته ولم تؤمر بتعليمهم إياه ، ولو لم يحمل النهي على هذا المعنى لم يتضح له وجه. وفي التقييد ب (مِنْهُمْ) محترز ولا يستقيم جعل ضمير (مِنْهُمْ) عائدا إلى أهل الكتاب ، لأن هذه الآيات مكية باتفاق الرواة والمفسرين.
[٢٣ ، ٢٤] (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤))
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
عطف على الاعتراض. ومناسبة موقعه هنا ما رواه ابن إسحاق والطبري في أول هذه السورة والواحدي في سورة مريم : أن المشركين لما سألوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد ولم يقل «إن شاء الله» ، فلم يأته جبريل ـ عليهالسلام ـ بالجواب إلا بعد خمسة عشر يوما. وقيل : بعد ثلاثة أيام كما تقدم ، أي فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتابا رمزيا من الله لرسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما عاتب سليمان ـ عليهالسلام – فيما رواه البخاري : «أن سليمان قال : لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة تلد كل واحدة ولدا يقاتل في سبيل الله فلم تحمل منهن إلا واحدة ولدت شقّ غلام». ثم كان هذا عتابا صريحا فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما سئل عن أهل الكهف وعد بالإجابة ونسي أن يقول : «إن شاء الله» كما نسي سليمان ، فأعلم الله رسوله بقصة أهل الكهف ، ثم نهاه عن أن يعد بفعل شيء دون التقييد بمشيئة الله.
وقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء حقيقي من الكلام الذي قبله. وفي كيفية نظمه اختلاف للمفسرين ، فمقتضى كلام الزمخشري أنه من بقية جملة النهي ، أي هو استثناء من حكم النهي ، أي لا تقولن : إني فاعل إلخ ... إلا أن يشاء الله أن تقوله. ومشيئة الله تعلم من إذنه بذلك ، فصار المعنى : إلا أن يأذن الله لك بأن تقوله. وعليه فالمصدر المسبك من (أَنْ يَشاءَ اللهُ) مستثنى من عموم المنهيات وهو من كلام الله تعالى ، ومفعول (يَشاءَ اللهُ)