والجمهور على أن قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) لا دلالة فيه على جواز تأخير الثنيا ، واستدلوا بأن السنّة وردت بخلافه.
(وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً)
لما أبر الله وعد نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي وعده المشركين أن يبين لهم أمر أهل الكهف فأوحاه إليه وأوقفهم عليه ، أعقب ذلك بعتابه على التصدي لمجاراتهم في السؤال عما هو خارج عن غرض الرسالة دون إذن من الله ، وأمره أن يذكر نهي ربه. ويعزم على تدريب نفسه على إمساك الوعد ببيان ما يسأل منه بيانه دون أن يأذنه الله به ، أمره هنا أن يخبر سائليه بأنه ما بعث للاشتغال بمثل ذلك ، وأنه يرجو أن الله يهديه إلى ما هو أقرب إلى الرشد من بيان أمثال هذه القصة ، وإن كانت هذه القصة تشتمل على موعظة وهدى ولكن الهدى الذي في بيان الشريعة أعظم وأهم. والمعنى : وقل لهم عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا.
فجملة (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ) إلخ ... معطوفة على جملة (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) [الكهف : ٢٢]. ويجوز أن تكون جملة (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي) عطفا على جملة (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) ، أي اذكر أمره ونهيه وقل في نفسك : عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ، أي ادع الله بهذا.
وانتصب (رَشَداً) على تمييز نسبة التفضيل من قوله : (لِأَقْرَبَ مِنْ هذا). ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول مطلق مبين لنوع فعل (أَنْ يَهْدِيَنِ) لأن الرشد نوع من الهداية.
ف (عَسى) مستعملة في الرجاء تأدبا ، واسم الإشارة عائد إلى المذكور من قصة أهل الكهف بقرينة وقوع هذا الكلام معترضا في أثنائها.
ويجوز أن يكون المعنى : وارج من الله أن يهديك فيذكرك أن لا تعد وعدا ببيان شيء دون إذن الله.
والرّشد ـ بفتحتين ـ : الهدى والخير. وقد تقدم القول فيه عند قوله تعالى في هذه السورة (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) [الكهف : ١٠].