(وَأَعَزُّ نَفَراً) [الكهف : ٣٤].
والفئة : الجماعة. وجملة (يَنْصُرُونَهُ) صفة ، أي لم تكن له فئة هذه صفتها ، فإن فئته لم تغن عنه من عذاب الله.
وقوله : (وَما كانَ مُنْتَصِراً) أي ولا يكون له انتصار وتخلص من العذاب.
وقرأه الجمهور (وَلَمْ تَكُنْ) بمثناة فوقية اعتدادا بتأنيث (فِئَةٌ) في اللفظ. وقرأه حمزة والكسائي وخلف «يكن» بالياء التحتية. والوجهان جائزان في الفعل إذا رفع ما ليس بتحقيقي التأنيث.
وأحاط به هذا العقاب لا لمجرد الكفر ، لأن الله قد يمتع كافرين كثيرين طول حياتهم ويملي لهم ويستدرجهم. وإنما أحاط به هذا العقاب جزاء على طغيانه وجعله ثروته وماله وسيلة إلى احتقار المؤمن الفقير ، فإنه لما اعتز بتلك النعم وتوسل بها إلى التكذيب بوعد الله استحق عقاب الله بسلب تلك النعم عنه كما سلبت النعمة عن قارون حين قال : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص : ٧٨]. وبهذا كان هذا المثل موضع العبرة للمشركين الذين جعلوا النعمة وسيلة للترفع عن مجالس الدعوة لأنها تجمع قوما يرونهم أحط منهم وطلبوا من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم طردهم عن مجلسه كما تقدم.
(هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤))
تذييل للجمل قبلها لما في هذه الجملة من العموم الحاصل من قصر الولاية على الله تعالى المقتضي تحقيق جملة (وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) [الكهف : ٤٢] ، وجملة (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) [الكهف : ٤٣] ، وجملة (وَما كانَ مُنْتَصِراً) [الكهف : ٤٣] ، لأن الولاية من شأنها أن تبعث على نصر المولى وأن تطمع المولى في أن وليه ينصره. ولذلك لما رأى الكافر ما دهاه من جراء كفره التجأ إلى أن يقول : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) [الكهف : ٤٢] ، إذ علم أن الآلهة الأخرى لم تغن ولايتهم عنه شيئا ، كما قال أبو سفيان يوم أسلم «لقد علمت أن لو كان معه إله آخر لقد أغنى عني شيئا». فاسم الإشارة مبتدأ و (الْوَلايَةُ لِلَّهِ) جملة خبر عن اسم الإشارة.
واسم إشارة المكان البعيد مستعار للإشارة إلى الحال العجيبة بتشبيه الحالة بالمكان لإحاطتها بصاحبها ، وتشبيه غرابتها بالبعد لندرة حصولها. والمعنى : أن في مثل تلك الحالة تقصر الولاية على الله. فالولاية : جنس معرف بلام الجنس يفيد أن هذا الجنس