والمغادرة : الترك ، وتقدم آنفا في قوله : (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)[الكهف : ٤٧].
والصغيرة والكبيرة : وصفان لموصوف محذوف لدلالة المقام ، أي فعلة أو هنة. والمراد بالصغر والكبر هنا الأفعال العظيمة والأفعال الحقيرة. والعظم والحقارة يكونان بحسب الوضوح والخفاء ويكونان بحسب القوة والضعف.
وتقديم ذكر الصغيرة لأنها أهم من حيث يتعلق التعجب من إحصائها. وعطفت عليها الكبيرة لإرادة التعميم في الإحصاء لأن التعميم أيضا مما يثير التعجب ، فقد عجبوا من إحاطة كاتب الكتاب بجميع الأعمال.
والاستثناء من عموم أحوال الصغيرة والكبيرة ، أي لا يبقي صغيرة ولا كبيرة في جميع أحوالهما إلا في حال إحصائه إياها ، أي لا يغادره غير محصي. فالاستثناء هنا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده لأنه إذا أحصاه فهو لم يغادره ، فآل إلى معنى أنه لا يغادر شيئا ، وانتفت حقيقة الاستثناء.
فجملة (أَحْصاها) في موضع الحال. والرابط بينها وبين ذي الحال حرف الاستثناء. والإحصاء : العد ، أي كانت أفعالهم معدودة مفصلة.
وجملة (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) في موضع الحال من ضمير (يَقُولُونَ). أي إنما قالوا ذلك حين عرضت عليهم أعمالهم كلها عند وضع ذلك الكتاب عرضا سريعا حصل به علم كلّ بما في كتابه على وجه خارق للعادة.
وجملة (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) عطف على جملة (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) لما أفهمته الصلة من أنهم لم يجدوا غير ما عملوا ، أي لم يحمل عليهم شيء لم يعملوه ، لأن الله لا يظلم أحدا فيؤاخذه بما لم يقترفه ، وقد حدد لهم من قبل ذلك ما ليس لهم أن يفعلوه وما أمروا بفعله ، وتوعدهم ووعدهم ، فلم يكن في مؤاخذتهم بما عملوه من المنهيات بعد ذلك ظلم لهم. والمقصود : إفادة هذا الشأن من شئون الله تعالى ، فلذلك عطفت الجملة لتكون مقصودة أصالة. وهي مع ذلك مفيدة معنى التذييل لما فيها من الاستدلال على مضمون الجملة قبلها ، ومن العموم الشامل لمضمون الجملة قبلها وغيره ، فكانت من هذا الوجه صالحة للفصل بدون عطف لتكون تذييلا.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠))