وفرع على التذكير بفسق الشيطان وعلى تعاظمه على أصل النوع الإنساني إنكار اتخاذه واتخاذ جنده أولياء لأن تكبره على آدم يقتضي عداوته للنوع ، ولأن عصيانه أمر مالكه يقتضي أنه لا يرجى منه خير وليس أهلا لأن يتبع.
والاستفهام مستعمل في الإنكار والتوبيخ للمشركين ، إذ كانوا يعبدون الجن ، قال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الأنعام : ١٠٠]. ولذلك علل النهي بجملة الحال وهي جملة (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ).
والذرية : النسل ، وذرية الشياطين والجن.
والعدو : اسم يصدق على الواحد وعلى الجمع ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة : ١] وقال : (هُمُ الْعَدُوُّ) [المنافقون : ٤].
عومل هذا الاسم معاملة المصادر لأنه على زنة المصدر مثل القبول والولوع ، وهما مصدران. وتقدم عند قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) في سورة النساء[٩٢].
والولي : من يتولّى ، أي يتخذ ذا ولاية بفتح الواو وهي القرب. والمراد به القرب المعنوي ، وهو الصداقة والنسب والحلف. و (من) زائدة للتوكيد ، أي تتخذونهم أولياء مباعدين لي. وذلك هو إشراكهم في العبادة ، فإن كل حالة يعبدون فيها الآلهة هي اتخاذ لهم أولياء من دون الله.
والخطاب في (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) وما بعده خطاب للمشركين الذين اتخذوه وليا ، وتحذير للمسلمين من ذلك.
وجملة (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) مستأنفة لإنشاء ذم إبليس وذريته باعتبار اتخاذ المشركين إياهم أولياء ، أي بئس البدل للمشركين الشيطان وذريته ، فقوله : (بَدَلاً) تمييز مفسر لاسم (بئس) المحذوف لقصد الاستغناء عنه بالتمييز على طريقة الإجمال ثم التفصيل.
والظالمون هم المشركون. وإظهار الظالمين في موضع الإضمار للتشهير بهم ، ولما في الاسم الظاهر من معنى الظلم الذي هو ذم لهم.
(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ