والمراد ب (الْمُضِلِّينَ) الشياطين ، لأنهم أضلوا الناس بإلقاء خواطر الضلالة والفساد في النفوس ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١].
وجملة (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) تذييل لجملة (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
والعدول عن الإضمار بأن يقال : وما كنت متخذهم إلى (الْمُضِلِّينَ) لإفادة الذم ، ولأن التذييل ينبغي أن يكون كلاما مستقلا.
والعضد ـ بفتح العين وضم الضاد المعجمة ـ في الأفصح ، و ـ بالفتح وسكون الضاد ـ في لغة تميم. وفيه لغات أخرى أضعف. ونسب ابن عطية أن أبا عمرو قرأه بضم العين وضم الضاد ـ على أنها لغة في عضد وهي رواية هارون عن أبي عمرو وليست مشهورة. وهو : العظم الذي بين المرفق والكتف ، وهو يطلق مجازا على المعين على العمل ، يقال : فلان عضدي واعتضدت به.
والمعنى : لا يليق بالكمال الإلهي أن أتخذ أهل الإضلال أعوانا فأشركهم في تصرفي في الإنشاء ، فإن الله مفيض الهداية وواهب الدراية فكيف يكون أعوانه مصادر الضلالة ، أي لا يعين المعين إلا على عمل أمثاله ، ولا يكون إلا قرينا لأشكاله.
(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢))
عطف على جملة (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [الكهف : ٥٠] فيقدر : واذكر يوم يقول نادوا شركائي ، أو على جملة (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الكهف : ٥١] ، فالتقدير : ولا أشهدت شركاءهم جميعا ولا تنفعهم شركاؤهم يوم الحشر ، فهو انتقال من إبطال معبودية الشيطان والجن إلى إبطال إلهية جميع الآلهة التي عبدها دهماء المشركين مع بيان ما يعتريهم من الخيبة واليأس يومئذ. وقد سلك في إبطال إلهيتها طريق المذهب الكلامي وهو الاستدلال على انتفاء الماهية بانتفاء لوازمها ، فإنه إذا انتفى نفعها للذين يعبدونها استلزم ذلك انتفاء إلهيتها ، وحصل بذلك تشخيص خيبتهم ويأسهم من النجاة.