الشيء الحاصل في موقع يتطلبه فكأنه يقع هو فيه.
والمصرف : مكان الصرف ، أي التخلص والمجاوزة. وفي الكلام إيجاز ، تقديره : وحاولوا الانقلاب أو الانصراف فلم يجدوا عنها مصرفا ، أي مخلصا.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤))
عطف على الجمل السابقة التي ضربت فيها أمثال من قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) [الكهف : ٣٢] وقوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الكهف : ٤٥]. ولما كان في ذلك لهم مقنع وما لهم منه مدفع عاد إلى التنويه بهدي القرآن عودا ناظرا إلى قوله : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) [الكهف : ٢٧] وقوله : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ؛ فأشار لهم أن هذه الأمثال التي قرعت أسماعهم هدي من جملة هدي القرآن الذي تبرموا منه. وتقدم الكلام على نظير هذه الآية عند قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) في سورة الإسراء [٨٩] ؛ سوى أنه يتجه هنا أن يسأل لم قدم في هذه الآية أحد متعلقي فعل التصريف على الآخر إذ قدم هنا قوله : (فِي هذَا الْقُرْآنِ) على قوله : (لِلنَّاسِ) عكس آية سورة الإسراء. وهو ما أشرنا إليه عند الآية السابقة من أن ذكر القرآن أهم من ذكر الناس بالأصالة ، ولا مقتضي للعدول عنه هنا بل الأمر بالعكس لأن الكلام جار في التنويه بشأن القرآن وأنه ينزل بالحق لا بهوى الأنفس.
والناس : اسم عام لكل من يبلغه القرآن في سائر العصور المستقبلة ، والمقصود على الخصوص المشركون ، كما دل عليه جملة (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) ، فوزانه وزان قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) [الإسراء : ٨٩] ، وسيجيء قوله : (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) [الكهف : ٥٦]. وهذا يشبه العام الوارد على سبب خاص وقرائن خاصة.
وجملة (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) تذييل ، وهو مؤذن بكلام محذوف على وجه الإيجاز ، والتقدير : فجادلوا فيه وكان الإنسان أكثر جدلا ، فإن الإنسان اسم لنوع بني آدم ، وحرف (ال) فيه لتعريف الحقيقة فهو أوسع عموما من لفظ الناس. والمعنى : أنهم جادلوا. والجدال : خلق ، منه ذميم يصد عنه تأديب الإسلام ويبقى في خلق المشركين ،