والهزو : مصدر هزا ، أي اتخذوا ذلك مستهزأ به. والاستهزاء بالآيات هو الاستهزاء عند سماعها ، كما يفعلون عند سماع آيات الإخبار بالبعث وعند سماع آيات الوعيد والإنذار بالعذاب.
وعطف (وَما أُنْذِرُوا) على «الآيات» عطف خاص على عام لأنه أبلغ في الدلالة على توغل كفرهم وحماقة عقولهم.
(وَما أُنْذِرُوا) مصدرية ، أي وإنذارهم والإخبار بالمصدر للمبالغة.
وقرأ الجمهور (هُزُواً) بضم الزاي. وقرأه حمزة هزءا بسكون الزاي.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧))
لما بين حالهم من مجادلة الرسل لسوء نية ، ومن استهزائهم بالإنذار ، وعرّض بحماقتهم أتبع ذلك بأنه أشد الظلم. ذلك لأنه ظلم المرء نفسه وهو أعجب الظلم ، فالذين ذكروا ما هم في غفلة عنه تذكيرا بواسطة آيات الله فأعرضوا عن التأمل فيها مع أنها تنذرهم بسوء العاقبة. وشأن العاقل إذا سمع مثل ذلك أن يتأهب للتأمل وأخذ الحذر ، كما قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لقريش «إذا أخبرتكم أن العدو مصبحكم غدا أكنتم مصدّقي؟ فقالوا : ما جربنا عليك كذبا» فقال : «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد».
و (من) المجرورة موصولة. وهي غير خاصة بشخص معين بقرينة قوله : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً). والمراد بها المشركون من العرب الذين ذكروا بالقرآن فأعرضوا عنه.
وعطف إعراضهم عن الذكر على التذكير بفاء التعقيب إشارة إلى أنهم سارعوا بالإعراض ولم يتركوا لأنفسهم مهلة النظر والتأمل.
ومعنى نسيان ما قدمت يداه أنه لم يعرض حاله وأعماله على النظر والفكر ليعلم:أهي صالحة لا تخشى عواقبها أم هي سيئة من شأنها أن لا يسلم مقترفها من مؤاخذة ، والصلاح بيّن والفساد بين ، ولذلك سمي الأول معروفا والثاني منكرا ، ولا سيما بعد أن جاءتهم الذكرى على لسان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فهم بمجموع الحالين أشد الناس ظلما ، ولو تفكروا قليلا لعلموا أنهم غير مفلتين من لقاء جزاء أعمالهم.