لتجزى كلّ نفس بما تسعى ، ثم فرع عليه النهي عن أن يصده عنها من لا يؤمن بها. ثم فرع على النهي أنه إن ارتكب ما نهي عنه هلك وخسر.
[١٧ ـ ٢١] (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١))
بقية ما نودي به موسى. والجملة معطوفة على الجمل قبلها انتقالا إلى محاورة أراد الله منها أن يري موسى كيفية الاستدلال على المرسل إليهم بالمعجزة العظيمة ، وهي انقلاب العصا حيّة تأكل الحيات التي يظهرونها.
وإبراز انقلاب العصا حيّة في خلال المحاورة لقصد تثبيت موسى ، ودفع الشكّ عن أن يتطرقه لو أمره بذلك دون تجربة لأنّ مشاهد الخوارق تسارع بالنفس بادئ ذي بدء إلى تأويلها وتدخل عليها الشك في إمكان استتار المعتاد بساتر خفي أو تخييل ، فلذلك ابتدئ بسؤاله عما بيده ليوقن أنه ممسك بعصاه حتى إذا انقلبت حيّة لم يشك في أنّ تلك الحيّة هي التي كانت عصاه. فالاستفهام مستعمل في تحقيق حقيقة المسئول عنه.
والقصد من ذلك زيادة اطمئنان قلبه بأنه في مقام الاصطفاء ، وأن الكلام الذي سمعه كلام من قبل الله بدون واسطة متكلّم معتاد ولا في صورة المعتاد ، كما دلّ عليه قوله بعد ذلك (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) [طه : ٢٣].
فظاهر الاستفهام أنه سؤال عن شيء أشير إليه. وبنيت الإشارة بالظرف المستقر وهو قوله (بِيَمِينِكَ) ، ووقع الظرف حالا من اسم الإشارة ، أي ما تلك حال كونها بيمينك؟.
ففي هذا إيماء إلى أن السؤال عن أمر غريب في شأنها ، ولذلك أجاب موسى عن هذا الاستفهام ببيان ماهية المسئول عنه جريا على الظاهر ، وببيان بعض منافعها استقصاء لمراد السائل أن يكون قد سأل عن وجه اتخاذه العصا بيده لأنّ شأن الواضحات أن لا يسأل عنها إلّا والسائل يريد من سؤاله أمرا غير ظاهر ، ولذلك لما قال النبي صلىاللهعليهوسلم في خطبة حجّة الوداع : «أيّ يوم هذا؟» سكت النّاس وظنوا أنه سيسميه بغير اسمه. وفي رواية أنهم قالوا : «الله ورسوله أعلم ، فقال : أليس يوم الجمعة؟ ...» إلى آخره.
فابتدأ موسى ببيان الماهية بأسلوب يؤذن بانكشاف حقيقة المسئول عنه ، وتوقع أن