السؤال عنه توسل لتطلب بيان وراءه. فقال : (هِيَ عَصايَ) ، بذكر المسند إليه ، مع أنّ غالب الاستعمال حذفه في مقام السؤال للاستغناء عن ذكره في الجواب بوقوعه مسئولا عنه ، فكان الإيجاز يقتضي أن يقول : عصاي. فلما قال : (هِيَ عَصايَ) كان الأسلوب أسلوب كلام من يتعجب من الاحتياج إلى الإخبار ، كما يقول سائل لما رأى رجلا يعرفه وآخر لا يعرفه : من هذا معك؟ فيقول : فلان ، فإذا لقيهما مرة أخرى وسأله : من هذا معك؟ أجابه : هو فلان ، ولذلك عقب موسى جوابه ببيان الغرض من اتّخاذها لعلّه أن يكون هو قصد السائل فقال : (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى). ففصّل ثمّ أجمل لينظر مقدار اقتناع السائل حتّى إذا استزاده بيانا زاده.
والباء في قوله (بِيَمِينِكَ) للظرفية أو الملابسة.
والتوكّؤ : الاعتماد على شيء من المتاع ، والاتّكاء كذلك ، فلا يقال : توكّأ على الحائط ولكن يقال : توكأ على وسادة ، وتوكأ على عصا.
والهشّ : الخبط ، وهو ضرب الشجرة بعصا ليتساقط ورقها ، وأصله متعدّ إلى الشجرة فلذلك ضمت عينه في المضارع ، ثمّ كثر حذف مفعوله وعدي إلى ما لأجله يوقع الهش بعلى لتضمين (أهشّ) معنى أسقط على غنمي الورق فتأكله ، أو استعملت (على) بمعنى الاستعلاء المجازي كقولهم : هو وكيل على فلان.
ومآرب : جمع مأربة ، مثلث الراء : الحاجة ، أي أمور أحتاج إليها. وفي العصا منافع كثيرة روي بعضها عن ابن عباس ، وقد أفرد الجاحظ من كتاب «البيان والتبيين» بابا لمنافع العصا. ومن أمثال العرب : «هو خير من تفارق العصا». ومن لطائف معنى الآية ما أشار إليه بعض الأدباء من أن موسى أطنب في جوابه بزيادة على ما في السؤال لأنّ المقام مقام تشريف ينبغي فيه طول الحديث.
والظاهر أنّ قوله (مَآرِبُ أُخْرى) حكاية لقول موسى بمماثله ، فيكون إيجازا بعد الإطناب ، وكان يستطيع أن يزيد من ذكر فوائد العصا. ويجوز أن يكون حكاية لقول موسى بحاصل معناه ، أي عدّ منافع أخرى ، فالإيجاز من نظم القرآن لا من كلام موسى عليهالسلام.
والضمير المشترك في (قالَ أَلْقِها) عائد إلى الله تعالى على طريقة الالتفات من التكلّم الذي في قوله (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) ؛ دعا إلى الالتفات وقوع هذا الكلام حوارا مع قول