[٥٧ ـ ٥٩] (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩))
هذه الجملة متصلة بجملة (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) [طه : ٥١] وجواب موسى عنها. وافتتاحها بفعل (قالَ) وعدم عطفه لا يترك شكّا في أن هذا من تمام المحاورة.
وقوله (أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ) يقتضي أنه أراه آية انقلاب العصا حيّة ، وانقلاب يده بيضاء. وذلك ما سمّاه فرعون سحرا. وقد صرح بهذا المقتضى في قوله تعالى حكاية عنهما : (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ* قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ* قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ* قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ* يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ...) الآية في سورة الشعراء [٢٩ ـ ٣٥]. وقد استغنى عن ذكره هنا بما في جملة (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها) [طه : ٥٦] من العموم الشامل لآية انقلاب العصا حيّة.
وإضافته السحر إلى ضمير موسى قصد منها تحقير شأن هذا الذي سمّاه سحرا.
وأسند الإتيان بسحر مثله إلى ضمير نفسه تعظيما لشأنه. ومعنى إتيانه بالسحر : إحضار السحرة بين يديه ، أي فلنأتينك بسحر ممن شأنهم أن يأتوا بالسحر ، إذ السحر لا بد له من ساحر.
والمماثلة في قوله (مِثْلِهِ) مماثلة في جنس السحر لا في قوته.
وإنما جعل فرعون العلّة في مجيء موسى إليه : أنها قصده أن يخرجهم من أرضهم قياسا منه على الذين يقومون بدعوة ضد الملوك أنهم إنما يبغون بذلك إزالتهم عن الملك وحلولهم محلّهم ، يعني أن موسى غرّته نفسه فحسب أنه يستطيع اقتلاع فرعون من ملكه ، أي حسبت أنّ إظهار الخوارق يطوّع لك الأمة فيجعلونك ملكا عليهم وتخرجني من أرضي. فضمير المتكلم المشارك مستعمل في التعظيم لا في المشاركة ، لأنّ موسى لم يصدر عنه ما يشمّ منه إخراجهم من أرضهم.
ويجوز أن يكون ضمير المتكلم المشارك مستعملا في الجماعة تغليبا ، ونزّل فرعون