والمعنى : قال مجاهد : إنه مكان نصف ، وكأنّ المراد أنّه نصف من المدينة لئلا يشق الحضور فيه على أهل أطراف المدينة. وعن ابن زيد : المعنى مكانا مستويا ، أي ليس فيه مرتفعات تحجب العين ، أراد مكانا منكشفا للناظرين ليشهدوا أعمال موسى وأعمال السحرة.
ثم تعيين الموعد غير المخلف يقتضي تعيين زمانه لا محالة ، إذ لا يتصوّر الإخلاف إلّا إذا كان للوعد وقت معيّن ومكان معيّن ، فمن ثم طابقه جواب موسى بقوله (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى).
فيقتضي أن محشر الناس في يوم الزينة كان مكانا معروفا. ولعلّه كان بساحة قصر فرعون ، لأنّهم يجتمعون بزينتهم ولهوهم بمرأى منه ومن أهله على عادة الملوك في المواسم.
فقوله (يَوْمُ الزِّينَةِ) تعيين للوقت ، وقوله (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ) تعيين للمكان ، وقوله (ضُحًى) تقييد لمطلق الوقت.
والضحى : وقت ابتداء حرارة الشمس بعد طلوعها.
ويوم الزينة كان يوم عيد عظيم عند القبط ، وهو يوم كسر الخليج أو الخلجان ، وهي المنافذ والترع المجعولة على النيل لإرسال الزائد من مياهه إلى الأرضين البعيدة عن مجراه للسقي ، فتنطلق المياه في جميع النواحي التي يمكن وصولها إليها ويزرعون عليها.
وزيادة المياه في النيل هو توقيت السنة القبطيّة ، وذلك هو أول يوم من شهر (توت) القبطي ، وهو (أيلول) بحسب التاريخ الإسكندري ، وذلك قبل حلول الشمس في برج الميزان بثمانية عشر يوما ، أي قبل فصل الخريف بثمانية عشر يوما ، فهو يوافق اليوم الخامس عشر من شهر تشرين (سبتمبر). وأول أيام شهر (توت) هو يوم النيروز عند الفرس ، وذلك مبني على حساب انتهاء زيادة النيل لا على حساب بروج الشمس.
واختار موسى هذا الوقت وهذا المكان لأنه يعلم أن سيكون الفلج له ، فأحبّ أن يكون ذلك في وقت أكثر مشاهدا وأوضح رؤية.
[٦٠ ـ ٦١] (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١))