وجملة (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) في موضع الحال من ضمير (لا تَفْتَرُوا) وهي مسوقة مساق التعليل للنهي ، أي اجتنبوا الكذب على الله فقد خاب من افترى عليه من قبل. بعد أن وعظهم فنهاهم عن الكذب على الله وأنذرهم عذابه ضرب لهم مثلا بالأمم البائدة الذين افتروا الكذب على الله فلم ينجحوا فيما افتروا لأجله.
و (مَنِ) الموصولة للعموم.
وموقع هذه الجملة بعد التي قبلها كموقع القضية الكبرى من القياس الاقتراني.
وفي كلام موسى إعلان بأنه لا يتقول على الله ما لم يأمره به لأنه يعلم أنه يستأصله بعذاب ويعلم خيبة من افترى على الله ؛ ومن كان يعلم ذلك لا يقدم عليه.
[٦٢ ـ ٦٤] (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤))
أي تفرع على موعظة موسى تنازعهم الأمر بينهم ، وهذا يؤذن بأن منهم من تركت فيه الموعظة بعض الأثر ، ومنهم من خشي الانخذال ، فلذلك دعا بعضهم بعضا للتشاور فيما ذا يصنعون.
والتنازل : تفاعل من النزع ، وهو الجذب من البئر ، وجذب الثوب من الجسد ، وهو مستعمل تمثيلا في اختلاف الرأي ومحاولة كل صاحب رأي أن يقنع المخالف له بأن رأيه هو الصواب ، فالتنازع : التخالف.
والنّجوى : الحديث السريّ ، أي اختلوا وتحادثوا سرّا ليصدروا عن رأي لا يطّلع عليه غيرهم ، فجعل النجوى معمولا ل (أَسَرُّوا) يفيد المبالغة في الكتمان ، كأنه قيل : أسرّوا سرّهم ، كما يقال : شعر شاعر.
وزاده مبالغة قوله (بَيْنَهُمْ) المقتضي أنّ النجوى بين طائفة خاصة لا يشترك معهم فيها غيرهم.
وجملة (قالُوا إِنْ هذانِ) لسحران بدل اشتمال من جملة (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) ، لأن إسرار النجوى يشتمل على أقوال كثيرة ذكر منها هذا القول ، لأنّه القول الفصل بينهم والرأي الذي أرسوا عليه ، فهو زبدة مخيض النجوى. وذلك شأن التشاور وتنازع الآراء أن