فكانوا عددا كثيرا. فالصفّ هنا مراد به الجنس لا الواحدة ، أي ثم ائتوا صفوفا ، فهو كقوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) [النبأ : ٣٨] وقال : (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢].
وانتصب (صَفًّا) على الحال من فاعل (ائْتُوا) والمقصود الإتيان إلى موضع إلقاء سحرهم وشعوذتهم ، لأنّ التناجي والتآمر كان في ذلك اليوم بقرينة قولهم (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى).
وجملة (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) تذييل للكلام يجمع ما قصدوه من تآمرهم بأن الفلاح يكون لمن غلب وظهر في ذلك الجمع. ف (اسْتَعْلى) مبالغة في علا ، أي علا صاحبه وقهره ، فالسين والتاء للتأكيد مثل استأخر.
وأرادوا الفلاح في الدنيا لأنّهم لم يكونوا يؤمنون بأنّ أمثال هذه المواقف مما يؤثر في حال الحياة الأبديّة وإن كانوا يؤمنون بالحياة الثانية.
[٦٥ ـ ٦٦] (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦))
تقدمت هذه القصة ومعانيها في سورة الأعراف سوى أن الأوليّة هنا مصرّح بها في أحد الشقّين. فكانت صريحة في أن التخيير يتسلط على الأولية في الإلقاء ، وسوى أنه صرّح هنا بأن السحر الذي ألقوه كان بتخييل أن حبالهم وعصيّهم ثعابين تسعى لأنها لا يشبهها في شكلها من أنواع الحيوان سوى الحيات والثعابين.
والمفاجأة المستفادة من (إذا) دلّت على أنهم أعدّوها للإلقاء وكانوا يخشون أن يمرّ زمان تزول به خاصياتها فلذلك أسرعوا بإلقائها.
وقرأ الجمهور (يُخَيَّلُ) بتحتيّة في أول الفعل على أن فاعله المصدر من قوله (أَنَّها تَسْعى). وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر ، وروح عن يعقوب «تخيّل» بفوقية في أوله على أنّ الفعل رافع لضمير (حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) ، أي هي تخيل إليه.
و (أَنَّها تَسْعى) بدل من الضمير المستتر بدل اشتمال.
وهذا التخييل الذي وجده موسى من سحر السحرة هو أثر عقاقير يشربونها تلك الحبال والعصيّ ، وتكون الحبال من صنف خاص ، والعصيّ من أعواد خاصة فيها فاعلية