لتلك العقاقير ، فإذا لاقت شعاع الشمس اضطربت تلك العقاقير فتحركت الحبال والعصيّ. قيل : وضعوا فيها طلاء الزئبق. وليس التخييل لموسى من تأثير السحر في نفسه لأنّ نفس الرسول لا تتأثر بالأوهام ، ويجوز أن تتأثر بالمؤثرات التي يتأثر منها الجسد كالمرض ، ولذلك وجب تأويل ظاهر حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في سحر النبي صلىاللهعليهوسلم وأخبار الآحاد لا تنقض القواطع. وليس هذا محلّ ذكره وقد حققته في كتابي المسمّى «النظر الفسيح» على صحيح البخاري.
و (مِنْ) في قوله (مِنْ سِحْرِهِمْ) للسببيّة كما في قوله تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح : ٢٥].
[٦٧ ـ ٦٩] (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩))
أوجس : أضمر واستشعر. وانتصاب (خِيفَةً) على المفعولية ، أي وجد في نفسه.
وقد تقدّم نظيره عند قوله تعالى : (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) في سورة هود [٧٠].
و (خِيفَةً) اسم هيئة من الخوف ، أريد به مطلق المصدر ، وأصله خوفة ، فقلبت الواو ياء لوقوعها أثر كسرة.
وزيادة (فِي نَفْسِهِ) هنا للإشارة إلى أنها خيفة تفكّر لم يظهر أثرها على ملامحه. وإنما خاف موسى من أن يظهر أمر السحرة فيساوي ما يظهر على يديه من انقلاب عصاه ثعبانا ، لأنه يكون قد ساواهم في عملهم ويكونون قد فاقوه بالكثرة ، أو خشي أن يكون الله أراد استدراج السحرة مدّة فيملي لهم بظهور غلبهم عليه ومدّه لما تكون له العاقبة فخشي ذلك. وهذا مقام الخوف ، وهو مقام جليل مثله مقام النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر إذ قال : «اللهم إني أسألك نصرك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد في الأرض».
والدليل على هذا قوله تعالى : (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) فتأكيد الجملة بحرف التأكيد وتقوية تأكيدها بضمير الفصل وبالتعريف في (الْأَعْلى) دليل على أن ما خامره من الخوف إنّما هو خوف ظهور السحرة عند العامة ولو في وقت ما. وهو وإن كان موقنا بأن الله ينجز له ما أرسله لأجله لكنه لا مانع من أن يستدرج الله الكفرة مدّة قليلة لإظهار ثبات إيمان المؤمنين ، كما قال لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ) [آل عمران : ١٩٦ ، ١٩٧].