والعتيّ ـ بضم العين في قراءة الجمهور ـ مصدر عتا العود إذا يبس ، وهو بوزن فعول أصله عتوو ، والقياس فيه أن تصحح الواو لأنها إثر ضمّة ولكنهم لما استثقلوا توالي ضمتين بعدهما واوان وهما بمنزلة ـ ضمتين ـ تخلصوا من ذلك الثقل بإبدال ضمّة العين كسرة ثم قلبوا الواو الأولى ياء لوقوعها ساكنة إثر كسرة فلما قلبت ياء اجتمعت تلك الياء مع الواو التي هي لام ، وكأنهم ما كسروا التاء في عتي بمعنى اليبس إلّا لدفع الالتباس بينه وبين العتوّ الذي هو الطغيان فلا موجب لطلب تخفيف أحدهما دون الآخر.
شبه عظامه بالأعواد اليابسة على طريقة المكنية ، وإثبات وصف العتي لها استعارة تخييلية.
(قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩))
فصلت جملة (قالَ كَذلِكَ) لأنها جرت على طريقة المحاورة. وهي جواب عن تعجبه. والمقصود منه إبطال التعجب الذي في قوله : (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) [مريم : ٨]. فضمير (قالَ) عائد إلى الرب من قوله (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) [مريم : ٨].
والإشارة في قوله (كَذلِكَ) إلى قول زكرياء (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا). والجار والمجرور مفعول لفعل (قالَ رَبُّكَ) ، أي كذلك الحال من كبرك وعقر امرأتك قدّر ربّك ، ففعل (قالَ رَبُّكَ) مراد به القول التكويني ، أي التقديري ، أي تعلّق الإرادة والقدرة. والمقصود من تقريره التمهيد لإبطال التعجب الدال عليه قوله (عَلَيَّ هَيِّنٌ) ، فجملة (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) استئناف بياني جوابا لسؤال ناشئ عن قوله (كَذلِكَ) لأنّ تقرير منشأ التعجب يثير ترقب السامع أن يعرف ما يبطل ذلك التعجب المقرّر ، وذلك كونه هيّنا في جانب قدرة الله تعالى العظيمة.
ويجوز أن يكون المشار إليه بقوله (كَذلِكَ) هو القول المأخوذ من (قالَ رَبُّكَ) ، أي أن قول ربّك (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) بلغ غاية الوضوح في بابه بحيث لا يبين بأكثر ما علمت ، فيكون جاريا على طريقة التشبيه كقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وقد تقدم في سورة البقرة [١٤٣]. وعلى هذا الاحتمال فجملة (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) تعليل لإبطال التعجب إبطالا مستفادا من قوله (كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ) ، ويكون الانتقال من الغيبة في قوله