ومعنى (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) قبل أن أسوّغ لكم أن تؤمنوا به. يقال : أذن له ، إذ أباح له شيئا.
والتقطيع : شدّة القطع. ومرجع المبالغة إلى الكيفية ، وهي ما وصفه بقوله (مِنْ خِلافٍ) أي مختلفة ؛ بأن لا تقطع على جانب واحد بل من جانبين مختلفين ، أي تقطع اليد ثمّ الرجل من الجهة المخالفة لجهة اليد المقطوعة ثم اليد الأخرى ثم الرجل الأخرى. والظاهر : أنّ القطع على هذه الكيفية كان شعارا لقطع المجرمين ، فيكون ذكر هذه الصفة حكاية للواقع لا للاحتراز عن قطع بشكل آخر ، إذ لا أثر لهذه الصفة في تفظيع ولا في شدّة إيلام إذا كان ذلك يقع متتابعا.
وأما ما جاء في الإسلام في عقوبة المحارب فإنما هو قطع عضو واحد عند كل حرابة فهو من الرحمة في العقوبة لئلا يتعطّل انتفاع المقطوع بباقي أعضائه من جرّاء قطع يد ثمّ رجل من جهة واحدة ، أو قطع يد بعد يد وبقاء الرجلين.
و (من) في قوله (مِنْ خِلافٍ) للابتداء ، أي يبدأ القطع من مبدأ المخالفة بين المقطوع. والمجرور في موضع الحال ، وقد تقدّم نظيره في سورة الأعراف وفي سورة المائدة.
والتصليب : مبالغة في الصلب. والصلب : ربط الجسم على عود منتصب أو دقّه عليه بمسامير ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) في سورة النساء [١٥٧]. والمبالغة راجعة إلى الكيفية أيضا بشدّة الدقّ على الأعواد.
ولذلك عدل عن حرف الاستعلاء إلى حرف الظرفية تشبيها لشدّة تمكّن المصلوب من الجذع بتمكن الشيء الواقع في وعائه.
والجذوع : جمع جذع ـ بكسر الجيم وسكون الذال ـ وهو عود النخلة. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥]. وتعدية فعل (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ) بحرف (في) مع أنّ الصلب يكون فوق الجذع لا داخله ليدل على أنه صلب متمكن يشبه حصول المظروف في الظرف ، فحرف (في) استعارة تبعيّة تابعة لاستعارة متعلّق معنى (في) لمتعلّق معنى (على).
وأيّنا : استفهام عن مشتركين في شدّة التعذيب. وفعل (لَتَعْلَمُنَ) معلق عن العمل لوقوع الاستفهام في آخره. وأراد بالمشتركين نفسه وربّ موسى سبحانه لأنه علم من قولهم (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) [الشعراء : ٤٧] أن الذي حملهم على الإيمان به ما قدم لهم