(قالَ رَبُّكَ) إلى التكلم في قوله (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) التفاتا. ومقتضى الظاهر : هو عليه هيّن.
والهيّن ـ بتشديد الياء ـ : السهل حصوله.
وجملة (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ) على الاحتمالين هي في موضع الحال من ضمير الغيبة الذي في قوله (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) ، أي إيجاد الغلام لك هيّن عليّ في حال كوني قد خلقتك من قبل هذا الغلام ولم تكن موجودا ، أي في حال كونه مماثلا لخلقي إياك ، فكما لا عجب من خلق الولد في الأحوال المألوفة كذلك لا عجب من خلق الولد في الأحوال النادرة إذ هما إيجاد بعد عدم.
ومعنى (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) : لم تكن موجودا.
وقرأ الجمهور (وَقَدْ خَلَقْتُكَ) بتاء المتكلّم.
وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف : (وقد خلقناك) بنون العظمة.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠))
أراد نصب علامة على وقوع الحمل بالغلام ، لأنّ البشارة لم تعيّن زمنا ، وقد يتأخر الموعود به لحكمة ، فأراد زكرياء أن يعلم وقت الموعود به. وفي هذا الاستعجال تعريض بطلب المبادرة به ، ولذلك حذف متعلّق (آيَةً). وإضافة (آيَتُكَ) على معنى اللّام ، أي آية لك ، أي جعلنا علامة لك.
ومعنى (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) أن لا تقدر على الكلام ، لأنّ ذلك هو المناسب لكونه آية من قبل الله تعالى. وليس المراد نهيه عن كلام الناس ، إذ لا مناسبة في ذلك للكون آية. وقد قدمنا تحقيق ذلك في سورة آل عمران.
وجعلت مدة انتفاء تكليمه الناس هنا ثلاث ليال ، وجعلت في سورة آل عمران ثلاثة أيام فعلم أنّ المراد هنا ليال بأيامها وأنّ المراد في آل عمران أيام بلياليها.
وأكد ذلك هنا بوصفها ب (سَوِيًّا) أي ثلاث ليال كاملة ، أي بأيامها.
وسويّ : فعيل بمعنى مفعول ، يستوي الوصف به الواحد والواحدة والمتعدد منهما.