و (أَمْ) إضراب إبطالي. والاستفهام المقدّر بعد (أَمْ) في قوله (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [طه : ٨٦] إنكاري أيضا ، إذ التقدير : بل أردتم أن يحل عليكم غضب ، فلا يكون كفركم إذن إلا إلقاء بأنفسكم في غضب الله كحال من يحب أن يحل عليه غضب من الله.
ففي قوله (أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) استعارة تمثيلية ، إذ شبه حالهم في ارتكابهم أسباب حلول غضب الله عليهم بدون داع إلى ذلك بحال من يحبّ حلول غضب الله عليه ؛ إذ الحب لا سبب له.
وقوله (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) تفريع على الاستفهام الإنكاري الثاني. ومعنى (مَوْعِدِي) هو وعد الله على لسانه ، فإضافته إلى ضميره لأنه الواسطة فيه.
[٨٧ ـ ٨٨] (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨))
(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها) وقعت جملة (قالُوا) غير معطوفة لأنها جرت في المحاورة جوابا عن كلام موسى ـ عليهالسلام ـ. وضمير (قالُوا) عائد إلى القوم وإنما القائل بعضهم ، تصدّوا مجيبين عن القوم كلّهم وهم كبراء القوم وأهل الصلاح منهم.
وقوله (بِمَلْكِنا) قرأه نافع ، وعاصم ، وأبو جعفر ـ بفتح الميم ـ. وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، ويعقوب ـ بكسر الميم ـ. وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بضم الميم ـ. وهي وجوه ثلاثة في هذه الكلمة ، ومعناها : بإرادتنا واختيارنا ، أي لإخلاف موعدك ، أي ما تجرّأنا ولكن غرّهم السامريّ وغلبهم دهماء القوم. وهذا إقرار من المجيبين بما فعله دهماؤهم.
والاستدراك راجع إلى ما أفاده نفي أن يكون إخلافهم العهد عن قصد للضلال والجملة الواقعة بعده وقعت بإيجاز عن حصول المقصود من التنصّل من تبعة نكث العهد.
ومحل الاستدراك هو قوله (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) وما قبله تمهيد له ، فعطفت الجمل قبله بحرف الفاء واعتذروا بأنهم غلبوا على رأيهم بتضليل السامريّ.