والنسيان : مستعمل في الإضاعة ، كقوله تعالى : (قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها) [طه : ١٢٦] وقوله : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [الماعون : ٥].
وعلى هذا يكون قوله (فَنَسِيَ) من الحكاية لا من المحكي ، والضمير عائد إلى السامريّ فينبغي على هذا أن يتصل بقوله (أَفَلا يَرَوْنَ) [طه : ٨٩] ويكون اعتراضا. وجعله جمع من المفسرين عائدا إلى موسى ، أي فنسي موسى إلهكم وإلهه ، أي غفل عنه ، وذهب إلى الطور يفتّش عليه وهو بين أيديكم ، وموقع فاء التفريع يبعد هذا التفسير.
والنسيان : يكون مستعملا مجازا في الغفلة.
(أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩))
يجوز أن يكون اعتراضا وليس من حكاية كلام القوم ، فهو معترض بين جملة (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) [طه : ٨٧] وجملة (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ) [طه : ٩٢ ، ٩٣] إلخ ، فتكون الفاء لتفريع كلام متكلم على كلام غيره ، أي لتفريع الإخبار لا لتفريع المخبر به ، والمخبر متعدد. ويجوز أن يكون من حكاية كلام الذين تصدّوا لخطاب موسى ـ عليهالسلام ـ من بين قومه وهم كبراؤهم وصلحاؤهم ليعلم أنهم على بصيرة من التوحيد.
والاستفهام : إنكاري ، نزلوا منزلة من لا يرى العجل لعدم جريهم على موجب البصر ، فأنكر عليهم عدم رؤيتهم ذلك مع ظهوره ، أي كيف يدّعون الإلهية للعجل وهم يرون أنه لا يتكلم ولا يستطيع نفعا ولا ضرا.
والرؤية هنا بصرية مكنى بها أو مستعملة في مطلق الإدراك فآلت إلى معنى الاعتقاد والعلم ، ولا سيما بالنسبة لجملة (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) فإن ذلك لا يرى بالبصر بخلاف (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً). ورؤية انتفاء الأمرين مراد بها رؤية أثر انتفائهما بدوام عدم التكلّم وانتفاء عدم نفعهم وضرهم ، لأنّ الإنكار مسلّط على اعتقادهم أنه إلههم فيقتضي أن يملك لهم ضرّا ونفعا.
ومعنى (يَرْجِعُ) يردّ ، أي يجيب القول ، لأن ذلك محل العبرة من فقدانه صفات العاقل لأنهم يدعونه ويثنون عليه ويمجدونه وهو ساكت لا يشكر لهم ولا يعدهم باستجابة ، وشأن الكامل إذا سمع ثناء أو تلقّى طلبة أن يجيب. ولا شك أن في ذلك الجمع العظيم من هو بحاجة إلى جلب نفع أو دفع ضرّ ، وأنهم يسألونه ذلك فلم يجدوا ما