وفسر أيضا (سَوِيًّا) بأنه حال من ضمير المخاطب ، أي حال كونك سويا ، أي بدون عاهة الخرس والبكم ، ولكنّها آية لك اقتضتها الحكمة التي بيّناها في سورة آل عمران. وعلى هذا فذكر الوصف لمجرد تأكيد الطمأنينة ، وإلا فإن تأجيله بثلاث ليال كاف في الاطمئنان على انتفاء العاهة.
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١))
الظاهر أن المعنى أنه خرج على قومه ليصلي على عادته ، فكان في محرابه في صلاة خاصة ودعاء خفي ، ثم خرج لصلاة الجماعة إذ هو الحبر الأعظم لهم.
وضمن خرج معنى طلع فعدي ب (عَلى) كقوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص : ٧٩].
والمحراب : بيت أو محتجر يخصص للعبادة الخاصة. قال الحريري : فمحرابي أحرى بي.
والوحي : الإشارة بالعين أو بغيرها ، والإيماء لإفادة معنى شأنه أن يفاد بالكلام.
و (أن) تفسيرية. وجملة (سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) تفسير (لأوحى) ، لأن (أوحى) فيه معنى القول دون حروفه.
وإنما أمرهم بالتسبيح لئلا يحسبوا أن زكرياء لما لم يكلمهم قد نذر صمتا فيقتدوا به فيصمتوا ، وكان الصمت من صنوف العبادة في الأمم السالفة ، كما سيأتي في قوله تعالى : (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم : ٢٦]. فأومأ إليهم أن يشرعوا فيما اعتادوه من التسبيح ؛ أو أراد أن يسبحوا الله تسبيح شكر على أن وهب نبيئهم ابنا يرث علمه ، ولعلهم كانوا علموا ترقبه استجابه دعوته ، أو أنه أمرهم بذلك أمرا مبهما يفسره عند ما تزول حبسة لسانه.
[١٢ ـ ١٤] (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤))
مقول قول محذوف ، بقرينة أن هذا الكلام خطاب ليحيى ، فلا محالة أنه صادر من قائل ، ولا يناسب إلّا أن يكون قولا من الله تعالى ، وهو انتقال من البشارة به إلى نبوءته. والأظهر أنّ هذا من إخبار القرآن للأمة لا من حكاية ما قيل لزكرياء. فهذا ابتداء ذكر