الأفضل. والمثالة : الفضل ، أي صاحب الطريقة المثلى لأن النسبة في الحقيقة للتمييز.
والطريقة : الحالة والسنّة والرأي ، والمراد هنا الرأي ، وتقدم في قوله (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) [طه : ٦٣] في هذه السورة ، ولم يأت المفسرون في معنى وصف القائل (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) بأنه أمثل طريقة بوجه تطمئن له النفس.
والذي أراه : أنه يحتمل الحقيقة والمجاز ؛ فإن سلكنا به مسلك الحمل على الحقيقة كان المعنى أنه أقربهم إلى اختلاق الاعتذار عن خطئهم في إنكارهم البعث بأنهم ظنوا البعث واقعا بعد طول المكث في الأرض طولا تتلاشى فيه أجزاء الأجسام ، فلما وجدوا أجسادهم كاملة مثل ما كانوا في الدنيا قال بعضهم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) ، فكان ذلك القول عذرا لأن عشر الليالي تتغيّر في مثلها الأجسام. فكان الذي قال (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) أقرب إلى رواج الاعتذار. فالمراد : أنه الأمثل من بينهم في المعاذير ، وليس المراد أنه مصيب.
وإن سلكنا به مسلك المجاز فهو تهكم بالقائل في سوء تقديره من لبثهم في القبور ، فلما كان كلا التقديرين متوغّلا في الغلظ مؤذنا بجهل المقدّرين واستبهام الأمر عليهم دالا على الجهل بعظيم قدرة الله تعالى الذي قضّى الأزمان الطويلة والأمم العظيمة وأعادهم بعد القرون الغابرة ، فكان الذي قدر زمن المكث في القبور بأقلّ قدر أوغل في الغلط فعبر عنه ب (أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) تهكما به وبهم معا إذ استوى الجميع في الخطأ.
وجملة (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) معترضة بين فعل (يَتَخافَتُونَ) وظرفية (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ) ، أي إنهم يقولون ذلك سرا ونحن أعلم به وإننا نخبر عن قولهم يومئذ خبر العليم الصادق.
[١٠٥ ـ ١٠٧] (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧))
لما جرى ذكر البعث ووصف ما سينكشف للذين أنكروه من خطئهم في شبهتهم بتعذر إعادة الأجسام بعد تفرق أجزائها ذكرت أيضا شبهة من شبهاتهم كانوا يسألون بها النبي صلىاللهعليهوسلم سؤال تعنت لا سؤال استهداء ، فكانوا يحيلون انقضاء هذا العالم ويقولون : فأين تكون هذه الجبال التي نراها. وروي أنّ رجلا من ثقيف سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، وهم أهل جبال لأن موطنهم الطائف وفيه جبل كرى. وسواء كان سؤالهم استهزاء أم