لبني إسرائيل الذي ذكّرهم به موسى ـ عليهالسلام ـ لما رجع إليهم غضبان أسفا ، وهو ما في قوله (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) [طه : ٨٦] الآية.
والمراد بالعهد إلى آدم : العهد إليه في الجنّة التي أنسي فيها.
والنسيان : أطلق هنا على إهمال العمل بالعهد عمدا ، كقوله في قصة السامري (فَنَسِيَ) ، فيكون عصيانا ، وهو الذي يقتضيه قوله تعالى : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) الآية ، وقد مضت في سورة الأعراف [٢٠ ، ٢١]. وهذا العهد هو المبيّن في الآية بقوله (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) [طه : ١١٧] الآية.
والعزم : الجزم بالفعل وعدم التردد فيه ، وهو مغالبة ما يدعو إليه الخاطر من الانكفاف عنه لعسر عمله أو إيثار ضده عليه. وتقدم قوله تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) في سورة البقرة [٢٢٧]. والمراد هنا : العزم على امتثال الأمر وإلغاء ما يحسّن إليه عدم الامتثال ، قال تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] ، وقال (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥] ، وهم نوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، ويعقوب ، ويوسف ، وأيوب ، وموسى ، وداود ، وعيسى عليهمالسلام.
واستعمل نفي وجدان العزم عند آدم في معنى عدم وجود العزم من صفته فيما عهد إليه تمثيلا لحال طلب حصوله عنده بحال الباحث على عزمه فلم يجده عنده بعد البحث.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦))
هذا بيان لجملة (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ) [طه : ١١٥] إلى آخرها ، فكان مقتضى الظاهر أن لا يكون معطوفا بالواو بل أن يكون مفصولا ، فوقوع هذه الجملة معطوفة اهتمام بها لتكون قصة مستقلة فتلفت إليها أذهان السامعين. فتكون الواو عاطفة قصة آدم على قصة موسى عطفا على قوله (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً) [طه : ١٠] ، ويكون التقدير : واذكر إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، وتكون جملة (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ) تذييلا لقصة هارون مع السامريّ وقوله (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هارون. والمعنى : أنّ هارون لم يكن له عزم في الحفاظ على ما عهد إليه موسى. وانتهت القصة بذلك التذييل ، ثمّ عطف على قصة موسى قصة آدم تبعا لقوله (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) [طه : ٩٩].