وجعلت المنة على آدم بهذه النعم مسوقة في سياق انتفاء أضدادها ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة تحذيرا منها لكي يتحامى من يسعى إلى إرزائه منها.
وقرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم وإنك لا تظمؤا ـ بكسر همزة (إنّ) ـ عطفا للجملة على الجملة. وقرأ الباقون (وَأَنَّكَ) ـ بفتح الهمزة ـ عطفا على (أَلَّا تَجُوعَ) عطف المفرد على المفرد ، أي إن لك نفي الجوع والعري ونفي الظّمأ والضحو.
وقد حصل تأكيد الجميع على القراءتين ب (إن) وبأختها ، وبين الأسلوبين تفنّن.
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠))
قوله (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) تقدم مثله في الأعراف. والفاء لتعقيب مضمون جملتها على مضمون التي قبلها ، وهو تعقيب نسبي بما يناسب مدّة تقلب في خلالها بخيرات الجنة حتى حسده الشيطان واشتد حسده.
وتعدية فعل (وسوس) هنا بحرف (إلى) وباللام في سورة الأعراف [٢٠] (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) باعتبار كيفية تعليق المجرور بذلك الفعل في قصد المتكلّم ، فإنه فعل قاصر لا غنى له عن التعدية بالحرف ، فتعديته بحرف (إلى) هنا باعتبار انتهاء الوسوسة إلى آدم وبلوغها إياه ، وتعديته باللّام في الأعراف باعتبار أن الوسوسة كانت لأجلهما.
وجملة (قالَ يا آدَمُ) [طه : ١١٧] بيان لجملة (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ). وهذه الآية مثال للجملة المبيّنة لغيرها في علم المعاني.
وهذا القول خاطر ألقاه الشيطان في نفس آدم بطريق الوسوسة وهي الكلام الخفي ؛ إما بألفاظ نطق بها الشيطان سرا لآدم لئلا يطّلع عليه الملائكة فيحذروا آدم من كيد الشيطان ، فيكون إطلاق القول عليه حقيقة ؛ وإما بمجرد توجه أراده الشيطان كما يوسوس للناس في الدنيا ، فيكون إطلاق القول عليه مجازا باعتبار المشابهة.
و (هَلْ أَدُلُّكَ) استفهام مستعمل في العرض ، وهو أنسب المعاني المجازية للاستفهام لقربه من حقيقته.
والافتتاح بالنداء ليتوجه إليه.
والشجرة هي التي نهاه الله عن الأكل منها دون جميع شجر الجنّة ، ولم يذكر النهي