عنها هنا وذكر في قصة سورة البقرة. وهذا العرض متقدم على الإغراء بالأكل منها المحكي في قوله تعالى في سورة الأعراف [٢٠] (قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) ، ولم يدله الشيطان على شجرة الخلد بل كذبه ودله على شجرة أخرى بآية أن آدم لم يخلّد ، فحصل لآدم توهم أنه إذا أكل من الشجرة التي دله عليها الشيطان أن يخلد في الحياة.
والدلالة : الإرشاد إلى شيء مطلوب غير ظاهر لطالبه ، والدلالة على الشجرة لقصد الأكل من ثمرتها.
وسماها هنا (شَجَرَةِ الْخُلْدِ) بالإجمال للتشويق إلى تعيينها حتى يقبل عليها ، ثم عيّنها له عقب ذلك بما أنبأ به قوله تعالى : (فَأَكَلا مِنْها) [طه : ١٢١].
وقد أفصح هذا عن استقرار محبّة الحياة في جبلة البشر.
والملك : التحرر من حكم الغير ، وهو يوهم آدم أنه يصير هو المالك للجنة المتصرّف فيها غير مأمور لآمر.
واستعمل البلى مجازا في الانتهاء ، لأنّ الثوب إذا بلي فقد انتهى لبسه.
[١٢١ ـ ١٢٢] (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢))
تفريع على ما قبله وثمّ جملة محذوفة دل عليها العرض ، أي فعمل آدم بوسوسة الشيطان فأكل من الشجرة وأكلت حواء معه.
واقتصار الشيطان على التسويل لآدم وهو يريد أن يأكل آدم وحواء ، لعلمه بأن اقتداء المرأة بزوجها مركوز في الجبلة. وتقدم معنى (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) في سورة الأعراف [٢٢].
وقوله (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) عطف على (فَأَكَلا مِنْها) ، أي أكلا معا ، وتعمد آدم مخالفة نهي الله تعالى إياه عن الأكل من تلك الشجرة. وإثبات العصيان لآدم دون زوجه يدل على أن آدم كان قدوة لزوجه فلما أكل من الشجرة تبعته زوجه ، وفي هذا المعنى قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦].
والغواية : ضدّ الرشد ، فهي عمل فاسد أو اعتقاد باطل ، وإثبات العصيان لآدم دليل