على أنه لم يكن يومئذ نبيئا ، ولأنّه كان في عالم غير عالم التكليف وكانت الغواية كذلك ، فالعصيان والغواية يومئذ : الخروج عن الامتثال في التربية كعصيان بعض العائلة أمر كبيرها ، وإنما كان شنيعا لأنّه عصيان أمر الله.
وليس في هذه الآية مستند لتجويز المعصية على الأنبياء ولا لمنعها ، لأنّ ذلك العالم لم يكن عالم تكليف.
وجملة (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) معترضة بين جملة (وَعَصى آدَمُ) وجملة (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) ، لأن الاجتباء والتوبة عليه كانا بعد أن عوقب آدم وزوجه بالخروج من الجنة كما في سورة البقرة ، وهو المناسب لترتب الإخراج من الجنة على المعصية دون أن يترتب على التوبة.
وفائدة هذا الاعتراض التعجيل ببيان مآل آدم إلى صلاح.
والاجتباء : الاصطفاء. وتقدم عند قوله تعالى : (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) في الأنعام [٨٧] ، وقوله (اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) في النحل [١٢١].
والهداية : الإرشاد إلى النفع. والمراد بها إذا ذكرت مع الاجتباء في القرآن النبوءة كما في هذه الآيات الثلاث.
[١٢٣ ـ ١٢٧] (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧))
(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)
استئناف بياني ، لأنّ الإخبار عن آدم بالعصيان والغواية يثير في نفس السامع سؤالا عن جزاء ذلك. وضمير (قالَ) عائد إلى (رَبَّهُ) [طه : ١٢١] من قوله (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) والخطاب لآدم وإبليس.
والأمر في (اهْبِطا) أمر تكوين ، لأنهما عاجزان عن الهبوط إلى الأرض إلّا بتكوين من الله إذ كان قرارهما في عالم الجنة بتكوينه تعالى.